المندرة نيوز

بروف إبراهيم آدم يكتب.. حكومة التكنوقراط المغزى والمضمون

حكومة التكنوقراط المغزى والمضمون
بروفيسور إبراهيم محمد آدم

الخرطوم=^المندرة نيوز^
تطبيقاً للاتفاق السياسي الموقع بين رئيس مجلس السيادة ورئيس الوزراء تقدم بالأمس غالبية  أعضاء حكومة الفترة الانتقالية الثانية بإستقالاتهم لرئيس الوزراء مفسحين له المجال لتكوين حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة التي ستقود البلاد إن شاء الله في هذه المرحلة المفصلية من تاريخنا، وغني عن القول إن نجاح أي تجربة يستوجب استلهام الدروس والعبر، ولعله من زينة الفكر وثاقب القول إن تكون لنا كلمات نصح لأولى الأمر علها ترشدهم فيما يبتغون انجازه من مهام وتكاليف جسام عجزت عن حملها السماوات الأرض والجبال واشفقن منها.
لقد عاش الشباب الذين أشعلوا الثورة رهقاً كبيراً وعنتا ومشقة وسالت دماء غزيرة وعزيزة من اجل تغيير حقيقي في كل المواقف والأطر والمفاهيم فهم قد تربوا في زمان غير زمان كثيرين ونحن منهم، وللأسف إن الحروب والصراعات يشعلها السياسيون ويروح ضحيتها الجنود والمدنيون الأبرياء وربما يكون الجنود أوفر حظاً في محاولة الحفاظ على حياتهم  لأنهم قد اعدوا ليُقتلوا او يقتلوا حسب ما تراه القيادة حقاً أو باطلاً ولكن أولئك الشباب لم يعدوا لتلك المهمة فكانت فاجعتنا فيهم مضاعفة ونسأل الله الجنة والخلود لمن ارتقى منهم إلى حياة أخرى وعاجل الشفاء للجرحى والمصابين.
إن العديد من التجارب طوال تاريخنا السياسي لما بعد الاستقلال  قد شهدت حياداً وزيغاً عن مفهوم الكفاءات مما أوقعنا كثيراً في مواطن الزلل وعدم النجاح في تحقيق  تطلعات الجماهير المشروعة في العيش الكريم والحرية والعدالة الاجتماعية ،ينطبق هذا على كل حكوماتنا تقريباً ولعل الراحل إبراهيم منعم منصور وهو شاهد عصر على نظام مايو  وركنا أساسياً فيه قد أشار في مذكراته إلى كيف اختارت مايو الراحل معاوية سورج الذي افني حياته متفرغاً تنظيمياً في الحزب الشيوعي وزيراً للعمل فاصدر قانوناً للعمل طبقه عليه سائقه الشخصي في مهمة رسمية فتضرر  هو منه، والسبب في ذلك إعطاء الأمر لغير أهله فكانت ساعته كما جرى.
إن حكومة الإنقاذ التي قامت ضدها ثورة ديسمبر كان لها نجاحات وإخفاقات قد تتفاوت أو تتساوى ولكن ما يهمنا هو الجزئية المتعلقة باختيار الوزراء والمسئولين فبعض وزراء الإنقاذ الذين نجحوا كانوا متخصصين في أعمال الوزارات التي أسندت إليهم ولكن العديد منهم لم ينجح لأنه لم يكن ذو أي صلة أو ارتباط بمجاله فجيء مثلاً  بمن هو متخصص في الحفريات وزيراً للمالية بدلاً أن يكون وزيراً للري، وضابط مشاة بالقوات المسلحة تم تأهيله في العديد من الدول ليكون متحرفاً لقتال العدو يؤتي به وزيرا للصحة وآخر وزيراً للمالية، وشخص غير هؤلاء متخصص في الحقل الطبي أصبح وزيراً للزراعة ورابع من خريجي العلوم السياسية وزيراً للثروة الحيوانية أو مديراً لمزرعة وخريج كلية التربية الذي تدرب على عمله فيها منذ الجامعة وزيراً للري وغير ذلك من أمثله والسبب في ذلك أن الوزارات كانت تقسم لإرضاء بعض ممن لا عمل له من السياسيين فتصبح الوزارات الواحدة وزارتين أو ثلاثة خدمة  لزيد أو من اجل سواد عيون عبيد وليت هذا الأمر قاصراً على الوزارات فهي قد تحتمل الوزير السياسي المتخصص ولكنه شمل حتى وكلاء الوزارات وهي وظيفة يجب أن يكون الشخص قد تدرج فيها من مدخل الخدمة ليصبح فيها الوكيل الأول وما ينطبق على هذا وجدت له ذات الأمثلة من سوء الاختيار في بعض إدارات أخرى على مستويات مختلفة وكانت النهايات العظمى أن فشل كل من ذكروا في الأمثلة السابقة في أداء عملهم ولتكون نتائج اجتهاداتهم غير المتخصصة وبالاً على البلاد والعباد ، ذلكم لان أي فرد في الدرجة الرابعة عشر كالممرض مثلا هو بلا شك أكثر فهماً من وزير الصحة إذ لا يعقل أن يكون الوزير غير قادر على  حقن البنسلين أو معرفة الكميات المطلوبة منه، وهناك للأسف أمثلة واقعية مضحكة لا يتسع المجال هنا لذكرها، أو أن يكون وزير المالية لا يفهم معني الاقتصاد الكلي ولا الدائن والمدين.
لا توجد في هذه الحياة الدنيا مهناً عالية وأخرى وضيعة فهكذا خلقنا ليتخذ بعضنا بعضاً سخرياً فالطبيب المتخصص في أدق جراحات المخ والأعصاب قد يعجز عن صيانة عطل صغير في سيارته بينما يستطيع ذلك ميكانيكياً هجر الدراسة منذ الطفولة. غير أن بعض الوزارات قد تحتمل عدم التخصص الدقيق فالأعلام مثلاً هو هواية وملكات قد لا تتوافر حتى عند الذين درسوا الإعلام والثقافة مثلاً معرفة تراكمية وموهبة في التعليم والتعلم فهذه يجب أن تكون تلك معاييرها .
إن السيد رئيس الوزراء قد توافر له من القبول ما لم يتوافر لكثير من القادة منذ الاستقلال، والود من هو رزق وهبة من الرحمن وقد أعطاه الاتفاق السياسي الأخير كامل ومطلق الحرية في اختيار وزراءه، ولان الثورة ثورة تغيير في النظم والمفاهيم عليه أن يتأسي بالدول من حولنا،وليتفرس في وجوه  وشهادات وخبرات من ينتقي إلى جواره، ولنضرب له مثلاً بمصر الشقيقة التي يكون فيها الوزير وزيراً بمعني الكلمة لأنه من أفضل الكفاءات في مجاله فحافظت مصر على ازدهار اقتصادها وتقدمها بنجاح كبير ، أما إن كان السيد رئيس الوزراء سيعود لذات الطريقة السابقة في اختيار المسئولين فعلينا البحث عن مهاجر يعيش فيها الإنسان متمتعاً بالحقوق الأساسية في دولة مبتغاها الخير العام.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب