تحديات الفتره االانتقالية في السودان “إتفاق البرهان حمدوك”
د. عمار ابراهيم كارا
الخرطوم=^المندرة نيوز^
توجد مقاربتان للتعامل مع وضع إستبدادي أو استعماري ماثل ومتمكن هما طريقة أخذ الحقوق المتاحة والمطالبة بالمزيد اي توسيع الثغره, ولذلك أمثله وتجارب كثيره في العالم والسودان ,مثل مفاوضات اوسلو غزة واريحا اولا بين السلطة الفلسطينية واسرائيل, وفي مسيرة نيل استقلال السودان عبر التطور الدستوري من المجلس الاستشاري إلى الجمعيه التشريعية ثم البرلمان الذي تم فيه إعلان الإستقلال.
أو رفض التعامل مع الواقع الماثل ورفض أي حلول باستثناء الحق الكامل ومجابهة الوضع الماثل بالمقاومة السلبيه كالمقاطعة والإعتزال (الهجره),او المقاومة الإيجابية بشقيها المدني أو المسلح السلمي والعنفي.
غالبا ما يلتقي الطرفان في نقطة ما فهما مقاربتان مختلفتان ولكنهما ليستا متضادتان فيمكن ان يحدث تكامل بينهما او اتحاد في ظروف تاريخية معينة .وغني عن القول انه توجد خلفيات طبقيه(التجار وملاك الاراضى والمنتجين التقليديين) ونفسيه مرتبطة بالعمر (الشباب) في تفضيل السلوك السياسي.
ايجابيات التغيير المتدرج او توسيع الثغره :
1- انها تضع مصالح الجماهير في الإعتبار من نيلها حقها في التوظيف والامان والسلم والخدمات والحفاظ علي الأرواح البشريه.
2- تخفيف اثر الاجراءات العنفيه والقمعيه اللامتناهيه ضد المجتمع في حالة المواجهات غير المتكافئة مع طرف علي استعداد لاستخدام اقصي ادوات البطش والتنكيل:
3- امكانية احداث انشقاق في النظام الاستبدادي القائم وبالتالي التسريع من هزيمته.
4- الحفاظ علي ولاء الجماهير او القاعدة الجماهيرية من الاندثار عبر فقدان مصالحها الاقتصادية والإجتماعية في حالات المواجهه المفتوحة واضطرارها للمساومة بين مصالحها الاجتماعية او الطبقية او بقائها ووجودها مع حفاظها علي اختيارها السياسي والايديولوجي.
بالمقابل توجد سلبيات بائنه في سلوك هذا المنهج التغييري:
1- اعطاء شرعية للوضع الاستبدادي او الاستعماري القائم بمجرد توقيع معاهدة أو إتفاقية معه.
2- امكانية انتهاء هذة المقاربة الي وضع عكسي تماما وهو استيعاب المعارضة وتماهيها مع النظام القائم بصفته الاستبداديه بدلا من الدفع نحو التغييير
3- حدوث انشقاق وفقدان جزء من القاعدة التي تؤمن بالتغيير الراديكالي من الطبقه المتوسطة وفئة الشباب
لاشك ان اعتماد هذة المغاربة ليس مطلقا لنستطيع التفريق بينها وبين الاستسلام واعتبارها وجه مختلف للمقاومة يتوقف تقدير ذلك علي توفر ثلاثه شروط هامه:
1- اختيار الظروف السياسية الملائمة في اعقاب حرب او مقاومه شعبية باسله تلك الحظه التي تبدو طريقا مغلقا او يحس خصمك انه يصعب الانتصار عليك تلك اللحظه التي تمثل بداية اي تفاوض جاد
2- وجود قياده تحظي بالثقة ومتحكمة
3- ظهور نتائج واضحة .وحدها النتائج علي الارض تبدي مدى صحة الخيار.
ايجابيات المقاربة الثانية التغيير الكامل او الممانعة:
1- تجريد سلطة القوة المجرده من القوة المعنوية وهي الشرعية عقدة الانظمة السلطوية حتي الممات
2- تمنح الفرصة لإحراز تقدم لأجندة المصالحة والتوافق
3- امكانية تحقيق الانتصار الشامل غير المنقوص بعد بذل التضحيات اللازمه.
سلبيات خيار الممانعه:
1- مصادره حقوق جماهير الحاضر لصالح المستقبل بدون ضمان فقد تؤدي طول فترة المقاومة إلى تفويت مصالح الحاضر بل ربما تدمير مجتمعات باكملها بسب البطش وتعرضها للتهجير والابادة الجماعية والحرمان من الحقوق الأساسية.
2- تفقد المقاومة والممانعة زخمها مع مرور الوقت مالم تترافق مع ازمات اقتصادية ومعيشية او رد فعل علي فظائع ومجازر يرتكبها الطرف الاخر.
3- بالرغم من كلفة هذا الخيار الا انه قد لا يؤدي لاهدافه وبالتالي تكون خسارة مزدوجة
4- حدوث تطور هائل لأدوات السيطره والهيمنه تجعل من السهولة دحر المقاومة الشعبية او المسلحة.
إتفاق 21 نوفمبر بين البرهان وحمدوك
لم يشكل الاتفاق السياسي الموقع بين البرهان وحمدوك اختراق في اي من قضايا الفتره الانتقالية المعقدة بل جاء عاما في صياغته فى انتظار تفصيلة فى اعلان سياسي اكثر دقه.هذة العموميه تفتح بابا للخير فى إمكان اشراك القوي السياسية وبابا للشر فى إمكانية تحوله الي استبداد كامل.
كانت ابرز نتائج الاتفاق ما يلي:
1- انه مؤسس علي قرارات القائد العام
2- اعاد رئيس الوزراء الي موقعه باستثناؤه منها رغم ان ديباجة الاتفاق مؤسسه علي قراراته(القائد العام)
3- اقر تعديل الوثيقه الدستورية
4- اقر تشكيل حكومة كفاءات مستقلة يختارها رئيس الوزراء
5- استثني الاتفاق قوى الحريه والتغيير الطرف الأصيل في الوثيقه الدستورية واتفاق الشراكة
ايجابيات الاتفاق
1- اعاد الشكل التنفيذي للمقاربه الاولي قبل اتفاق جوبا للسلام وهي ان يتشكل مجلس الوزراء من كفاءات مستقلة مع تمثيل القوي السياسيه في المجلس التشريعي وبالتالي توفير الفرصة للقوي السياسية للتركيز علي بناءهياكلها وتطويرها كما وفر جهدا ثمينا استهلك في ادارة جهاز الدوله.فكرة كفاءات مستقله رغم قبولها علي علاتها فهي عبارة دعائية تماما مثلما يرد فى الاعلانات عن -بسكوت بطعم الفرح- وتحتاج الي ضبط فما هو المقصود بكفاءات مستقله اهي فقط غير منتمية لاحزاب ام ليس لها خلفية ايديولوجيه ولاراي سياسي؟هل الاستقلالية المطلوبة مرتبطه بتولي الوزاره ام استقلالية مطلقة؟ما هي معايير الكفاءه؟هل ستكون هنالك موازنات جهوية؟
الموازنات الا تعارض الاستقلالية؟ من يضع برنامج هذة الحكومة ؟ اخشي ان نكون ازاء عبارة متوهمة تماما لا وجود لها في الواقع فقط تشرعن الانقلاب وتتماهى مع الدعاية الاستبدادية التي تقولب الحزبية كشر مطلق وخطيئه.
2- فتح نافذة امام امكانية استعادة المسار الديمقراطي بانتظار مزيد من التفصيلات بشان وضع القوي السياسية في رسم مسار القوي السياسية عبر الاعلان السياسي المرتقب
3- تصور الخيارات الأخرى بدل الاتفاق السياسي مزيد من القتل والعزلة الدولية والاجراءات الاستبدادية وتمدد انصار النظام السابق(وبضدها تتبين الاشياء)
سلبيات الاتفاق
1- ابقي الاجراءات الإنقلابية قائمه
2- جعل هنالك فرصه بالقدر نفسه لاستمرار الانقلاب بدل العوده لسكة التحول الديمقراطي وذلك بعد تخفيف الضغط الشعبي والدولي عنه
3- افرز حاله من عدم الثقة والاستقرار في القوي السياسية بسبب الظروف المحيطة بتوقيعه
4- حكومة الكفاءات المستقلة مصطلح دعائي مفخخ يمكن ان يمثل اسوا ما في الاتفاق خاصه اذا ترافق ذلك مع تاخير تكوين المجلس التشريعي
ملاحظات عامه عن الموقف بعد الاتفاق
1- لا يوجد بديل افضل امام القوي السياسيه من الحوار والتوافق لتحقيق تقدم سياسي فى النهاية كل النزاعات تنتهي بطاولة المفاوضات
2- سيستمر انقسام الشارع السياسي ومن الصعب الحصول علي اجماع بشأن أي اعلان سياسي مرتقب
3- الوضع فى حال تغير وفي منتهي الهشاشة تعاني القوى السياسية الكبرى مثل حزب الأمة من عدم اتزان داخلي فما يبدو ظاهريا اختلافات سياسية هو فى مضمونة اعادة صياغة التوازنات والتحالفات الداخلية التاريخية وبلورة اشكال جديدة للهيمنه والقياده لذلك فان الاصلاح الحزبي واقامة المؤتمرات الموسعة القطاعية والعامه سيكون له اثر فاعل علي مجمل التحول الديمقراطي في البلاد.
4- يوجد تاثير واضح وان شئت تدخل من القوي الاقليميه والدولية في الشان الداخلي السوداني . بعض هذا التاثير والتدخل ضار يتعلق باستغلال فرص السودان الاقتصادية الواعده عبر وكلاء محليون. وتدخل اخر حميد يتعلق بطبيعة النظام العالمي وقيم الديمقراطية وحقوق الانسان.
5- امتلاك الجيش والاجهزة الأمنية مؤسسات اقتصادية تابعه لها يعرقل اي امكانية لاصلاحها واعادة صياغة دورها بل يزيد كذلك ويحفز تدخلها في الشأن السياسي.ان الحفاظ علي الامتيازات والمكاسب من الاسباب الرئيسه التي تدعو كبار الجنرالات للاحتفاظ بدور للجيش في الحياة السياسية او الاستئثار بالسلطة
6- الصدام المسلح هو الترتيبات الامنية الوحيده القابله للتطبيق لتكوين جيش قومي موحد من الصعب ان يتنازل قادة الدعم السريع او الحركات المسلحة عن امتيازاتهم طوعا بل الارجح استغلال هذة الوضعية لمزيد من التاثير السياسي,ربما يكون انشاء قوات موازية مثل الحرس الوطني حلا اكثر قابلية للتطبيق فى الفترة المقبلة
7- طريق التغيير طويل ولا يوجد فيه انتصار بالضربة القاضية لذلك لا يجب استنفاذ الجهد الثوري في الجولات الاولي
8- الحرب الاهلية وتقسيم السودان اوالفوضى الشاملة سيناريوهات ممكنة الحدوث ينبغي لكل ذي بصيره ان يضعها في اعتباره عند تحديد خياراته السياسية
9- الانقسام المجتمعي الحاد الايديولوجي والطبقي والتنموي وتمظهراته الثانويه في الانقسامات الجهوية والاثنية يؤدي الي اجواء استئصاليه ويؤسس لبنيه شموليه
10- استمرار الاحتجاجات:
أ- علي المدي القريب والمتوسط يمكن ان يؤدي الي استئناف العملية السياسية والتحول الديمقراطي لكن بشروط افضل
ب- علي المدي الطويل
*احتمالات الضمور التلقائى بسبب الاحباط وبكونها صارت امرا معتادا
* اشاعت حالة من عدم الاستقرار تؤدي الي تزايد القمع او اغرت مغامرين من القوي المسلحة للدخول في متاهات جديده.
*اغرت حدوث انقسام عمودي في الجيش يؤدي الي اضعاف هيمنته علي الوضع الامني لصالح قوي مسلحه اخري
*تحول عدد من المحتجين الي موقف اكثر غلوا وراديكاليه في مطالبهم ووسائلهم.
*تقدم العملية السياسية الحالية نحو الانتخابات بدون اتفاق كامل ومقاطعة اطراف مهم٣ه يعطل فرصه التحول الديمقراطي لزمن طويل قادم
*توفير بيئه لاصحاب الامراض النفسية والسياسية الباحثين عن المجد الشخصي والزعامه ,اصحاب الاجنده الاستئصاليه والكسب الحزبي الذين يمتطون الاجنده العاطفيه للحشود
11- اتفاق البرهان حمدوك ملئ بالسلبيات مقابل ايجابيات ضئيله لكنه مع ذلك فتح بابا للمراجعة والاصلاح يجب استغلاله وتحويل الأزمة لفرصه.خاصة ما يتعلق بالاصلاح الداخلي للاحزاب وتمكين جيل جديد من القاده,الاسراع بتكوين نقابات قويه ذات قيادات منتخبة ونقد تجربة التحالفات الحزبيه والجهوية بعمق للتحرر من فلك( الجودية والفزعه).