الطفل “ريان” في السودان..
عثمان ميرغني
الخرطوم=^المندرة نيوز^
في عصر أحد الأيام قبل عدة سنوات، طفلان كانا عائدين من المدرسة إلى بيتهما، هنا في الخرطوم وليس في أقاصي السودان.. و هبت “كتاحة” تسببت في انخفاض مستوى الرؤية ، وهو أمر تعود عليه الناس ولا يتسبب في توقف حركتهم إلا نادراً.
الطفلان كانا يتحسسان طريقهما المعتاد نحو البيت فسقطا فجأة في بئر “سايفون” لم تكن مغطاة بصورة آمنة.. وبقية القصة تذكرونها جيداً.. طوى الزمان حسرة الوالدين والأسرة على إبنيهما ولم يزرهما أي مسؤول ليقرأ “الفاتحة” فضلاً عن أن يساعد في إنقاذهما من البئر.
لم تكن تلك القصة مختلفة في تفاصيلها عن كثير مثلها راح ضحيتها مواطنون سودانيون في مختلف أصقاع السودان، لكن جاء اليوم ميقات تذكر مثل هذه الحوادث على شرف الملحمة الرائعة التي تخوضها السلطات في المملكة المغربية الشقيقة لإنقاذ طفل واحد عمره خمسة أعوام فقط، سقط في بئر في منطقة بعيدة عن المدينة والعمران، ورغم أنف ضآلة فرص النجاة لضيق البئر وعمقها وهشاشة التربة إلا أن المغرب من قمة رأسه المبجل بالتاج الملكي سخر كل الإمكانات لإنقاذ الطفل “ريان”.
حياة الإنسان – أي إنسان- مهما كان عمره أو موقعه الاجتماعي أو الاقتصادي هي أغلى أصول الدولة، والمبدأ العام الذي يجب أن يقوم عليه أساس أية حكومة أن المحافظة على الإنسان وكرامته أمر لا يجب أن يخضع لدراسة جدوى، لا يمكن أن يتحكم في القرار حسابات الربح والخسارة.. كم يكلف مالاً وجهداً مقابل ماذا ؟
بصراحة وأقولها بكل أسى، مثل هذا الوضع لم يتحقق في السودان لا في الماضي ولا الحاضر ولن يتحقق في المستقبل طالما الإنسان مجرد “رقم وطني” ووثائق إثبات هوية لا أكثر.. من الممكن نقل مريض إلى المستشفى بحالة طفيفة ولكن الطبيب ربما كان نائماً أو يتسلى بالدردشة مع زميل آخر أو ربما مشغول بمتابعة وسائط التواصل في الموبايل، وتكون النتيجة فاجعة إنهاء حياة إنسان هو من أثمن أصول الدولة السودانية.
في مناطق كثيرة بنهر النيل والولاية الشمالية يموت الأطفال بلدغات العقارب على مر السنين الطويلة ولا تفكر الحكومة في توفير العلاج ولا الحل.. فموت طفل لن يتسبب في مظاهرة في الخرطوم!
الأمر لا يتعلق بالإمكانات المادية أو القوانين أو الصرامة الإدارية، كل المشكلة هي في صميم مفاهيم الدولة، في لب العقلية والمنهج الذي تدار به الدولة.. الإحساس المقيت بأن الإنسان مجرد “رقم وطني”.. فإن قضى نحبه فقد سقط رقم في السجل المدني لا أكثر.
بصراحة مربط الفرس في تغيير نمط العلاقة بين الدولة والمواطن.. هذه العلاقة ظلت ولا تزال تقوم على مبدأ (واحد مقابل عدة) One to Many. الواحد هو السلطة الحكومية في مختلف مستوياتها، هي طرف، والطرف الآخر “متعدد” هو مجموع قد يكون قبيلة أو حياً أو فئة أو قطاعاً اً أو مكوناً دينياً وغيرها من المجاميع المجتمعية .. لا تستطبع الحكومة رؤية الإنسان الفرد إلا من خلال المجموعة .. وتظل أحزان الفرد حصراً على الأفراد الذين يتصلون به مباشرة.. لا أبعد.
يجب أن تغير المعادلة لتصبح (واحداً مقابل واحد).