المندرة نيوز

الطيب قسم السيد يكتب.. بالحب ولجناها و بالعشق نعود

بالحب ولجناها و بالعشق نعود
شؤون وشجون
الطيب قسم السيد
الخرطوم=^المندرة نيوز^
وأنا أقبل على كتابة هذا المقال تداعت بخاطري ذكريات ذلك اليوم الذي لا ولن ينسى أو يغيب عن خاطري ما دمت حيا ، وهو يوم دخولي للإذاعة للمرة الأولي، شغفا ، اشعث أغبر، وقد صادف الحادي والعشرين من ديسمبر من العام ١٩٧٨م بعد أن حصلت على الشهادة الثانوية، وكنت قبلها قد شاركت في منافسات الدورة المدرسية الرياضية الثقافية الرابعة التي نظمت بمدينة ودمدني حاضرة الإقليم الأوسط، وعاصمة محافظة الجزيرة، وكنت خلال تلك الدورة المدرسية، ممثلا لمدرستي الأمير الثانوية في منافسة الإلقاء الشعري، التي فزت خلالها بالقاء قصيدة الشاعر محي الدين الفاتح محي الدين ،التي عثرت عليها في الصفحة الأخيرة لصحيفة الايام التي كانت صفحة منوعة جاذبة، مهتمة بالفنون والآداب والأنشطة ذات الصلة بها.
كان لمشاركتي وفوزي بميدالية الإلقاء الشعري في تلك الدورة المدرسية، التي قدمت الساحتين الرياضية والفنية نجوما متميزة،، دور مؤثر في تركيز رغبتي في ولوج مجال الأداء الاذاعي، وقد تنبأ لي بذلك مجموعة من المشتغلين والمهتمين بشأن الثقافة والفنون بمدينة ود مدني تلكم التي كانت تحتضن أنشط واميز رابطة للآداب والفنون، أذكر من نجومها الأستاذ طه كرار الذي كان مديرا لمدرسة المؤتمر الثانوية، والاستاذ مدثر النوحي الذي كان مخرجا بمسرح الجزيرة، والاستاذ بابكر صديق(اصوات وانامل) الذي كان معلما للفنون الجميلة بمدارس مدني الثانوية، والأستاذ عبد الحليم سر الختم الشاعر الرقيق واحد مقدمي البرنامج الشهير (محراب الجزيرة للآداب والفنون) الذي كان ينتج في تلفزيون الجزيرة ويبث على التلفزيون القومي.
كان لقربي من تلكم المجموعات المبدعة في مدينة ودمدني وتشجيعهم لي وٱخرين بينهم مدير مدرستنا الاستاذ طلعت محمد عفيفي أستاذ اللغة العربية، ذو الصوت الجهور، كان لهؤلاء وغيرهم، دور مؤثر في دفعي على ولوج تجربة الاداء الاذاعي بعد تفوقي في منافسة الإلقاء الشعري، في الدورة المدرسية الرابعة التي نظمت فعاليتها بمدينة ود مدني فكان اهتمامهم بحالتي وراء اصراري على خوض هذه التجربة،التي شكل ارتيادها هاجسا مستمرا لي ظللت منشغلا به ومصمما على ولوجه، على زعم أنني أملك جل مقوماته،من صوت وجرأة ورغبة واستعداد فطري حسب ما كنت اسمع من أساتذتي وممن كانوا يدفعونني لبلوغ هذه الغاية.
جئت للإذاعة في شتاء في مثل شتاء أيامنا هذه في ذلك الزمان، كنت مرعوبا و متوجسا من تلكم الخطوة بعدما عرفت أن الطريق إلى أن تصبح مذيعا أو مقدما بالراديو أمر ليس بالسهل، ولا يتم إلا بإجتياز اختبارات صارمة تشمل الصوت واللغة، والثقافة العامة وحسن الأداء والحضور وسلامة المخارج، فدبجت طلبا على ورقة فلسكاب بعد أن اشار لي بذلك بعض من تعرفت عليهم وانا أتردد بصفة شبه يومية على حوش الإذاعة الذي كان يعج بالشعراء والمطربين والموسيقين والمادحين والممثلين. وكنت منبهرا بمشاهدة تلكم الاصوات والأسماء اللامعة التي كنت أتابعها عبر الإذاعة السودانية وتزداد دهشتي ويتصاعد انبهاري كلما استمعت لصوت مذيع أو مقدم أو ممثل عن قرب وعلى الطبيعة، تعودت على سماعه من الإذاعة مقارنا بين ما ارسمها من صور ذهنية لهولاء وما أشاهده على الطبيعة.
اعمد لهذه التخريمات راميا احبتي لرسم تلك الصور الزاهية،الخالدة في ذاكرتي،وانا اقصد امي الرؤوم الإذاعة السودانية وقد طلبت ودها وانا شاب يافع تحف طموحه العديد من الهواجس، وهو يقصد هدفا ظل يراوده منذ أيام صباه.
حملت طلبي وتوجهت من (محيط) بوفيه الإذاعة الذي تجاوره إدارة الموسيقى حيث صالة البروفات التي يؤمها مطربون وشعراء وعازفون، وخزينة الاذاعة التي كانت تصرف للعاملين والمتعاونين استحقاقاتهم كل خميس.. وتقع خلف الخزينة، قهوة العم صالح التي ترتادها أطياف املبدعين فيستمتع الحاضرون، بالحان وأشعار وأعمال موسيقية تحت التوضيب،تتداول حولها تلكم الجماعات المبدعة.
في مكتب الاستاذ محمد خوجلى صالحين،مدير عام الإذاعة وقتها، سلمت طلبي،لسكرتيره عبد السيد،الذي وضعه في ملف يبدو أن طلبات ٱخرين قد سبقتني اليه،،وقال لي أن لجنة يرأسها الاستاذ فهمي بدوي تنعقد كل اسبوع، هي الموكل اليها إجراء اختبارات المتقدمين فعليك انتظار دورك.
مرت عدة أسابيع على حالتي وظللت أتردد على الإذاعة كل سبت ممضيا وقتا ممتعا، في حوشها العامر،وانا استمتع بحركة ونشاط نجومها،في صمت.. ممنيا نفسي أن أكون يوما في مثل نجوميتهم وشهرتهم خصوصا المذيعين ومقدمي البرامج، عبد الرحمن أحمد ، علم الدين حامد، ذنون بشرى، عمر عثمان،عبد الوهاب احمدصالح، عمر الجزلي ومحمد ورداني،سكينة عربي، محاسن سيف الدين،علوية ٱدم سعاد ابوعاقلة، عباس ساتي، حسن سليمان، عبد العظيم عوض، وعوض ابراهيم عوض إكرام الصادق، الزبير عثمان الطيب، عبد الدائم عمر الحسن، وٱخرين واخريات مكانهم القلب والوجدان،، يضيق المجال لذكرهم.
في اليوم الذي حددته لجنة الاختبارات الصوتية، لاخضاعي للمثول، أمامها برئاسة،الاستاذ فهمي بدوي، اعطوني خبرا ،وقطعة نثرية،وادخلوني ستديو محمد بابكر، واستمعوا الي باهتمام شديد..،وعندما فرغت سالوني عن معلومات في السياسة والحياة العامة، والاقتصاد،والرياضة،والتراث، وقد بدى لي انهم أعجبوا بصوتي، وان لديهم ملاحظات، على اللغة،،لان أحدهم قال لي ، (ما عندك عوجة يا ابني بعدين اللغة دى شئ مكتسب ).
بقي أن أشير إلى ان تجاوزي لملاحظات تلكم اللجنة المرعبة كلفتني ما قارب العام حتي كتب على تقريري (يصلح بشئ من التدريب) ليتم وفق ذلك اختياري ضمن ثلاثة سئم أحدهم من طول المدة فانسخب، وهاجر الثاني إلى المملكة العربية. السعودية وكان إجمالي المتقدمين، (70) متقدما ومتقدمة، لقد امضيت وقتا لاحقا طويلا،حتى اكتملت اجراءات تعبني بتاريخ 4/4/1979.
هذه هي الإذاعة السودانية التي جئناها شعثا غبرا دون تزكية من نافذ، أو حزب أو جهة او قبيلة.. نعود لها و في جوانحنا حب كبير للوطن ولها ولرفاق دربنا، بعد ان ابعدتنا عنها لسنة ونيف، كيدا وظلما وتشفيا قرارات لجنة إزالة التمكين بإرشاد انتهازين ومتسلقين، نلتمس لهم عند الله العفو والمغفرة.. وبمثلما ولجناها بالحب،بالعشق نعود.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب