المندرة نيوز

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب.. روسيا وأوكرانيا.. أبعاد  الصراع ومآلات المستقبل(2-3)

روسيا وأوكرانيا أبعاد  الصراع ومآلات المستقبل(2-3)
بروفيسور إبراهيم محمد آدم
الخرطوم=^المندرة نيوز^
كما أسلفنا في مقال سابق فإن الصراع الروسي الأوكراني  ليس كما يتصور البعض، ولكن وراء الأكمة ما وراءها، فالأوراق مختلطة جداً والصراع أساساً ما بين الأنجلو ساكسون ممثلون في بريطانيا وأمريكا ودول اسكندنافيا من جهة، والألمان أعداء الأنجلو ساكسون التاريخيين من جهة أخرى، فألمانيا القوية ذات الصلات الاقتصادية المتينة مع روسيا أمر غير مرغوب فيه، لذلك افتعلت الحرب لتجعل المانيا في حالة عداء مع روسيا بعد أن والت الجانب الأوكراني، ذلك لأن أمريكا تريد لأوربا أن تظل ضعيفة ومعتمدة عليها كلياً منذ مشروع مارشال لإعادة اعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثالثة، لذلك لم تكن أمريكا سعيدة بنجاح الإتحاد الأوربي وإصداره لعملة نقدية نافست الدولار وتفوقت عليه، ولعل هذا يفسر خروج بريطانيا عن الإتحاد الأوربي من أجل إضعافه اقتصاديا رغم أن بريطانيا لم تلغ عملتها الجنيه الإسترليني طوال عضويتها في ذلك الإتحاد،  فخروج بريطانيا وإضعاف المانيا الممنوعة من تصنيع وتصدير السلاح إلا بكميات محدودة يجعل الاتحاد الأوربي ضعيفاً، وقد كانت تلك إستراتيجية الزعماء الأمريكيين فيما عدا دونالد ترامب الذي جاء من خارج النخبة السياسية المحددة وطالب الأوربيين صراحة بالإعتماد على أنفسهم أو دفع كلفة فاتورة حمايتهم عبر حلف الأطلسي، وقد نجحت سياساته تلك إلى بعيد في الداخل الأمريكي ووفرت أكثر  من 11 مليون وظيفة للأمريكيين ولعل توفير الوظائف كان شاغله، فعندما عاد من أول رحلة للمملكة العربية السعودية استدعى فيها كل زعماء الخليج للرياض وخرج بصفقة قوامها أكثر من 400 مليار ودولار وحين وصل عائداً إلى واشنطن وهو في المطار ومن على سلم الطائرة كان يصيح وظائف، وظائف، لقد وجدت لكم وظائف.
وترامب نفسه قد شاعت مسألة تزوير الروس للانتخابات الأمريكية لصالحه في انتخاباته للفترتين الأولى والثانية، رغم أن التحقيقات لم تثبت ذلك فخرج من البيت الأبيض بتلك الطريقة الدرامية، كما أن  إنسياب الغاز الروسي إلى المانيا وبقية الدول الأوربية بالأنابيب بدلاً عن تجارة الترانسيت وعبر خط نورد ستريم 2 الذي جربت روسيا من قبل مده عبر سوريا فتم ضرب سوريا والإبقاء على قوات أمريكية فيها فاستحال إكمال المشروع الذي يعني نجاحه ضخ المزيد من الغاز الروسي إلى كل الدول الأوربية دون منصرفات شحن كبرى أو وسطاءْ ذلك لان روسيا هي المصدر الأول للغاز في العالم  وهذا يمكنها من الحصول على أكثر من ثلاثمائة مليار دولار سنوياً.
إن الأمريكيون يفكرون الآن في بدائل للغاز الروسي حتى لا تستقل أوربا بعلاقاتها عن أمريكا وفي هذه الحالة يكون الغاز القطري هو البديل ولعل ذلك يفسر الموقف الإماراتي الممتنع عن التصويت على وقف الحرب ضد أوكرانيا، وقد جر هذا الموقف لمشكلات تبدو خفية بين أمريكا والامارات  كما صرح بذلك قبل ايام سفير الإمارات في واشنطن، وموقف الإمارات هو بالضرورة موقف دول الخليج الأخرى، رغم الخلاف القطري الاماراتي.
في المعركة الجديدة يبدو الموقف التركي معارضاً للموقف الروسي وذاك مفهوم في سياق أن تركيا عضواً أساسياً في حلف الناتو وفي حل أزمة الصورايخ الكوبية يوم 28 أكتوبر 1962 ، كان هناك شرطاً أساسياً هو سحب الرؤوس النووية التابعة لحلف شمال الأطلسي من تركيا وايطاليا في مقابل سحب الصواريخ السوفيتية من كوبا، وتركيا كانت حينها على الحدود السوفيتية عندما كانت جمهوريات وسط آسيا جزءاً من الاتحاد السوفيتي، ولكن تركيا اليوم لا تعتمد في مصادر تسليحها على الحلف الأطلسي فقط، ولكنها سعت لتوزيع مصادرها فاتجهت نحو روسيا بشراء منظومة اس 400 مما سبب خلافاً كبيراً بينها وبين أمريكا لأن تلك المنظومة لن تكون تحت مراقبة أجهزة الحلف الأطلسي.
الموقف التركي كان واضحاً أنه يخشى اندلاع عمل عسكري في منطقة البحر الأسود، حيث تتجاور تركيا مع روسيا وأوكرانيا، وبنت تركيا علاقات إستراتيجية في السنوات الأخيرة مع الدولتين، ولكن مع انطلاق العمليات العسكرية، انحازت تركيا بشكل كبير وواضح لصالح أوكرانيا رافضة الهجوم الروسي.
ويرى خبراء أتراك أن هناك خشية من أن إحتلال روسيا لأوكرانيا قد يقوض الإتفاقيات الإستراتيجية التركية الأوكرانية، حيث بدأت أوكرانيا إنشاء مصنع لإنتاج مشترك للطائرات التركية المسيرة مؤخراً، فيما وجدت تركيا ضالتها في المحركات التي لا تستطيع شراءها من الدول الغربية بسبب حظر مفروض غير معلن على تركيا وصناعاتها الدفاعية، رغم عضويتها في حلف الناتو، فضلاً عن علاقات اقتصادية أخرى.
كما ان تركيا تنتظر العام 2023 للبدء في التنقيب عن النفط، والشروع في حفر قناة تربط البحر الأسود ببحر مرمرة، والبدء  في تحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبر مضيق البسفور، وربما أن هذا الموضوع يفسر الحرب الدائرة الآن بين أوروبا وأردوغان بالتحديد ، وعدم السماح لتركيا بدخول الاتحاد الاوربي الذي طرقت ابوابه أعواماً بلغت العشرات، وقد سعت أوروبا وأمريكا بكل الطرق للتخلص من أردوغان القوي الذي حارب الفساد والمؤسسة التركية العسكرية حارسة ارث اتاتورك العلماني التي رعت على مدار عقود الفساد والفاسدين وعتاة العلمانيين الذي يحاربون الدين أكثر مما تحاربه دول أوربا، وقد شكلت تلك المجموعات رأس التبعية للغرب والصهيونية على حساب الشعب التركي ومستقبل تركيا، إن تلك المساعي المحمومة والتي كان آخرها الإنقلاب العسكري الفاشل في يوليو  2016 والذي أفشله الشعب التركي حين وقف أعزلاً ضد الدبابات إستجابة لمقطع فيديو بثه اردوغان من مقر إجازته .
حقيقة هذا الموضوع تكمن في تأسيس الدولة التركية بناءاً على معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، وهي عبارة عن معاهدة سلام وقعت في مدينة لوزان السويسرية بين قوات حلفاء الحرب العالمية الأولى وبين الدولة العثمانية ممثلة في الحركة القومية التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، حيث صور الأخير وقتها للشعب التركي بأنه أسس الدولة التركية الحديثة على أنقاض الإمبراطورية العثمانية مجبراً المجتمع الدولي على الاعتراف بها كدولة لها سيادة، بينما الحقيقة أنه وضع تركيا في بطن الغرب وتحت رحمته وفي خدمة الحركة الصهيونية العالمية مشفياً بذلك غليلهم بانتهاء آخر الإمبراطوريات اﻹسلامية بشكل مهين، نصت وقتها معاهدة لوزان والتي تذكرها كتب التاريخ أحيانا “بمعاهدة لوزان الثانية” ومدتها مائة عام على نقاط مهمة من بينها:  إلغاء الخلافة الاسلامية العثمانية، مصادرة كل أموال الخليفة، نفي الخليفة وأسرته إلى خارج تركيا، إعلان علمانية الدولة التركية، منع تركيا من التنقيب عن النفط، جعل مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة مروراً إلى البحر الأبيض المتوسط ممراً دولياً لا يحق لتركيا تحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبره.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب