المندرة نيوز

بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب.. روسيا وأوكرانيا أبعاد  الصراع ومآلات المستقبل(3-3)

روسيا وأوكرانيا أبعاد  الصراع ومآلات المستقبل(3-3)

بروفيسور إبراهيم محمد آدم
الخرطوم=^المندرة نيوز^
في مقالنا السابق تحدثنا عن التعاطي  التركي مع الصراع الروسي الأوكراني وقلنا انه سينتهي العمل بتلك المعاهدة المخزية “معاهدة لوزان” بعد أن يكون قد مر على توقيعها مائة عام، أي بحلول العام 2023 وهذا ما يثير رعب أوروبا وأمريكا وكل العالم الغربي لذلك لا يفوِّت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أي خطاب له سواء كان أمام مناصريه من الشعب التركي أو في أي محفل دولي إلا ويستغله لتذكير أوروبا والغرب بشكل عام بأن تركيا القديمة سوف ينتهي عهدهم بها مع حلول العام 2023، وسيكون هناك تركيا جديدة لم يعهدوها من قبل، لذلك في البداية تركيا لم تصطف بشكل حاد إلى جانب أي طرف مع رفضها الحرب بشكل قاطع، وكانت  ولا تزال على تواصل مستمر مع روسيا وأوكرانيا حيث تم الإتفاق على عقد لقاء بين وزيري خارجيتي روسيا وأوكرانيا في انطاليا بتركيا في 18 مارس 2022م.
وإلى جانب هذه الوساطة بدأت تركيا تأخذ دورها الإنساني الريادي في مثل هذه الأزمات، فنراها سارعت على الفور لإرسال الفرق الإغاثية والمساعدات الإنسانية العاجلة إلى أوكرانيا، وكذلك بدأت باستقبال الأوكرانيين الهاربين من جحيم آلة الحرب الروسية التي اختبرنا شرها سابقاً في سوريا وليبيا وأماكن أخرى.
وكان من المتوقع الا تدخل تركيا هذه الحرب وتبقى تلعب دور الإطفائي لأن النار إذا لم تخمد في أسرع وقت فإنها ستصل لأماكن أخرى وهذا ما لا تريده تركيا، ولكنها انخرطت فعلياً ووفرت الطائرات المسيرة لأوكرانيا بعد أن قرات التحالف الغربي العام ضد روسيا بعد ثلاثة أيام من إندلاع الحرب والذي وفر العتاد الحربي لاوكرانيا من عدة دول هي المانيا وفرنسا وبريطانيا والتي أرسلت متطوعين للقتال إلى جانب أوكرانيا وشملت عقوبات الغرب ضد روسيا  حظراً على الأشخاص والمؤسسات شمل الشركات الحكومية والخاصة والقنوات والوسائط الإعلامية، وقد اشترك في ذلك حتى محرك البحث الكبير قوقل وشركتي فيسبوك وواتس اب، بل دخل على خط العقوبات ضد روسيا الإتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا) واللجنة الاولمبية الدولية، واللذان طالبا روسيا بأن تلعب اي مباراة دون علم أو نشيد قومي.
مرة جديدة وفي أخطر الأوقات تثبت تركيا أنها قادرة على إتباع دبلوماسية ناجحة مؤثرة، وهذا ما سيجعلها ثابتة على دعوتها التي تطالب بتعديل النظام العالمي القائم حالياً، فالعالم أكبر من خمسة كما يشدد أردوغان دائما.وما هذه الحرب إلا نتيجة عدم سماع العالم لنصيحة تركيا ودولاً أخرى كالهند والمانيا والبرازيل بضرورة تعديل النظام العالمي غير العادل، ولعل استخدام تركيا لحق النقض ضد مشروع قرار بإدانتها في مجلس الأمن الدولي جعل العالم يقف متفرجاً على الأزمة مما دعا الرئيس الأوكراني فلاديمير زلنيسكي للقول إن العالم لم يقف معنا.
الموقف التركي إذن يمكن وصفه بأنه موقف حكيم هادئ يتحرك وفق سياسة واضحة غير متهورة، وبالتالي لا خوف على تركيا جراء هذه الحرب، وقد كان من الخير  لروسيا وأوكرانيا سماع الصوت التركي الداعي للحوار، ولكنهما لم تستبينا النصح الا ضحى الغد فأصبح العالم كله  أمام تطورات عسكرية خطيرة ستؤثر على كل المعمورة في المرحلة المقبلة، لان اصطفافاً سيحدث لن يقل خطراً عن الحربين العالميتين الأولى والثانية وقد أمر فلاديمير بوتين بوضع الترسانة النووية قيد التأهب الأقصى.
لاعب آخر في دورة خلط الأوراق بعد حرب روسيا وأوكرانيا هو الصين التي امتنعت عن التصويت ضد قرار إدانة روسيا، وللصين علاقات تجارية كبرى مع الولايات المتحدة وهي تحوز على حصة كبرى من السوق الأمريكي في العديد من المجالات ، وتطور الصين التجاري قد يقود لاحقاً الى التعامل بالجنيه الذهبي مما يعني فقدان سطوة الدولار وانهياره كعملة عالمية، بعد سنوات طويلة من خدعة الرئيس الأمريكي نيكسون للعالم.
والى جانب الصين  كررت روسيا تصريحاتها الداعية للتخلص من الاحتياطيات الدولارية في محاولة للتقليل من هيمنة الدولار الأميركي على تعاملاتها، إذ قال وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، إن بلاده ستغير من هيكلة صندوق الثروة السيادية وستتخلى نهائياً عن الدولار الأميركي. وعلى هامش منتدى بطرسبورغ الاقتصادي أضاف الوزير: “لقد اتخذنا قراراً، في البنك المركزي، بخفض استثمارات صندوق الثروة السيادية في الأصول الدولارية كان لدينا نحو 35 في المئة من استثمارات صندوق الثروة السيادية بالدولار و35 في المئة باليورو من حيث الهيكل، لكننا قررنا الخروج من الأصول الدولارية بالكامل، واستبدال الاستثمارات بالدولار بزيادة اليورو، وزيادة الذهب اكثر من الدولارات الأمريكية منذ عام 2020م فوصلت سبائك الذهب الى23 في المئة في العام 2022م وارتفعت قيمتها الى 630 مليار دولار بعد الحصول على المزيد من الذهب من السودان ومالي وإفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو. وبالهيكلة الجديدة سيصبح الدولار صفر، الذهب20 في المئة ، اليورو 40 في المئة، واليوان 30 في المئة ، والجنيه الاسترليني، والين خمسة في المئة لكل منهما.
وقد مثل اليورو ثاني عملة احتياطات لدى دول العالم بعد الدولار بنسبة نحو 20 في المئة من احتياطات تلك الدول من النقد الأجنبي. أما اليوان الصيني فتحاول الصين منذ سنوات جعله عملة احتياط دولية، لكنه حتى الآن لا يمثل سوى اثنين في المئة من احتياطات النقد الأجنبي لدى دول العالم، لأن القيود التي تفرضها الصين على حركة الأموال في اقتصادها تعوق محاولاتها لجعل اليوان عملة احتياط دولية.
وربما يسهل صدور اليوان الرقمي التوسع في التعامل باليوان خارج حدود الصين، خصوصاً أن بكين تسعى من خلال مشروع “الحزام وطريق الحرير ” إلى تعزيز الوضع الدولي لعملتها، لكن في النهاية قد يأكل ذلك من نصيب الدولار والعملات الأخرى كالين واليورو، لكن قد لا يمكنه إزاحة الدولار عن عرشه في وقت قريب وربما تسفر الحرب الحالية عن نتائج جديدة.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب