وحدة السدود.. صراع النفوذ ومأزق التبعية
إبراهيم شقلاوي
الخرطوم=^المندرة نيوز^
ظلت صراعات النفوذ التي تعيشها المؤسسات التنموية في بلادنا مسيطرة علي المشهد في كافة الجوانب مما اقعد بعطاء كثيرا منها مابين فئة مسيطرة تري أهمية حاكميتها علي كافة القرارات وفئة متطلعة للعطاء بعيدا عن هذه الصراعات.. هذا الواقع المختلط والمبعثر بين البعد التاريخي والواقع المعاش خلق نموذج الصراع الذي سيطر علي اهم موسسة تنموية بالبلاد كما توصف بذلك وحدة تنفيذ السدود التي لها رصيد جيد من العمل والعطاء بعيدا عن التجاذبات السياسية وصراع النفوذ المقيت.
بالرغم من ذلك حدثت مشكلة المفصولين بوحدة تنفيذ السدود جراء الهيكلة التي توقفت عندها او قرارات لجنة التمكين.. حيث تكمن المشكلة التاريخية في تبعية وحدة السدود لوزارة الري هذه الوزارة التي تحكمها وتتحكم فيها قيادات تاريخية وخبرات موروثة يحفظ لها التاريخ انها قدمت للتنمية عصارة خبرتها وتجاربها في وقت من الاوقات وهذا لاينفي باي حال أهمية التطور نحو الأفضل لأجل التطوير والتحديث بعيدا عن الأجندة الخاصة وحظوظ النفس وصراع النفوذ .
فقد ظل هذا الصراع المكتوم مسيطرا علي المشهد ومؤثرا علي طبيعة العمل والاداء العام مما أدي لإعاقة العمل الذي انقسم الناس فيه الي فريقين فريق يري انه الاحق بتسيد المشهد الاداري والتنفيذي دون إعطاء الفرصة للفريق الآخر الذي يمثل الجيل الجديد من الشباب الواعد الذي يتمتع بفهم طبيعة التحدي والسرعة في الإنجاز وتحمل ضغوط العمل الشاق.. وقد قدموا برهانا لذلك تجربة ناصعة كانت محل اشادة من الخبراء والممولين في جميع الفترات.. من الصناديق العربية والأصدقاء والمنظمات الإقليمية والدولية.
ظلت القيادات التاريخية القابضة علي مفاصل القرار تعتبر ان الوحدة جسم غريب علي المؤسسة وصعوبة ان يلتئم او يشكل ضمن العاملين فيها جسم متسق مع تركيبة اداراتها التاريخية التي ورثت وحدها دون سواها العمل خارج وداخل مجري النيل وإدارة الشأن العام المتعلق بذلك.
جاءت الوحدة في العام 1999م لتشكل دفعا قويا للمشروعات التنموية في البلاد التي ظلت حبيسة الاضابير والخطط المتوارثة التي تفتقد الإرادة السياسية الراشدة والادارية اللازمة لتحولها الي واقع ينفع جميع أهل السودان في ظل الحاجة الماسة للسدود والكهرباء ومشروعات البنية التحتية والمياه في كافة البلاد..لذلك ابدعت العقلية التي كانت تدير البلاد في ذلك الوقت وحدة السدود التي كانت في تلك الفترة ادارة صغيرة تعرف باسم ادارة مشروع سد الحامداب تتبع لوزارة الري والقوي المائية.
في العام 1999م صدر قرار تم بموجبه تأسيس وحدة لتنفيذ السد بهدف سد العجز في الكهرباء بالبلاد حيث تطورت المهام بعد ذلك ليصدر القرار الجمهوري رقم (217) لسنة 2005م بتوسعة مهام الوحدة لتشمل تنفيذ كافة السدود بجانب المشروعات التنموية الاخري وقد وصلت بموجب هذا القرار للمسمي الحالي ( وحدة تنفيذ السدود) كل ذلك حدث خلال ثلاثة و عشرين عام متقلبة فيها الوحدة مابين التبعية لوزارة الري ثم وزارة الطاقة ثم الي وزارة الكهرباء والسدود ثم الي وزارة الكهرباء والري ثم اخيرا الي وزارة الري التي رأت ان تتخلص منها في ظل الهياج السياسي الغير مؤسس بدعوي انتهاء الأعمال الموكلة لها حيث عمدت الي هيكلة العاملين فيها وإحالة ماتجاوز الستين بالمئة للصالح العام هذا في ظل شراكة هشة مدفوعة بقرار الادارة العليا في وقت من الاوقات ظلت تطمح وتبحث عن ممسكات موحدة لجهود جميع العاملين لإنجاز الأهداف التنموية المنشودة بالاستفادة من القامات العلمية بالوزارة في التخطيط والتنفيذ للمشروعات المنجزة ضمن فريق العمل الكبير في جميع المراحل التي تقلبت فيها الوحدة في التبعية الادارية بين الوزارت.
انجزت الوحدة خلال مسيرتها عدد من المشروعات التي احدثت نقلة تنموية عالية في البلاد اهمها سد مروي وتعلية سد الرصيرص ومجمع سدي أعالي عطبرة وستيت هذا وقدمت مرارا العون الاداري الفاعل في مشروع الجزيرة والرهد خلال مواسم التحضير و الانتاج بجانب مشروعات حصاد المياه فيما عرف بصفرية العطش حيث يقع ذلك ضمن برنامج الألفية الانمائي الذي ترعاه الأمم المتحدة .
مماتقدم وحتي تستطيع الوحدة النهوض من جديد واستكمال مابدأته من أعمال متصلة بالتنمية للريف السوداني وتوظيف الموارد المائية لفائدة اهل السودان جراء الصراعات الاقليمية .. يري الخبراء والمتابعون لاداء الوحدة والعاملين في ضرورة استمرار جهدها المميز خلال الفترات الماضية.. وأهمية الانتقال بها من التبعية لوزارة الري الي وزارة المالية علي ان تكون (وحدة تنفيذ مشروعات) لها استقلالية كاملة في النظام الاداري ويشرف عليها مجلس ادارة مختص يرأسه وزير المالية وتمثل فيه الوزارات الاخرى المعنية ذات الصلة مثل وزارة الري والموارد المائية و الطاقة والكهرباء والرعاية الاجتماعية والزراعة…. الخ وذلك لضمان استمرار التمويل وتوظيف علاقاتها الراسخة المبنية علي الثقة والاحترام المتبادل مع الصناديق العربية التي كان لها الإسهام المقدر في مشروعات السدود ومشروعات حصاد المياه ومشروعات البنية التحتية قاطبة .
فلا يخفي علي احد المجهود الكبير والمقدر الذي قام الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي و الصندوق السعودي للتنمية وصندوق ابو ظبي للتنمية والصندوق الكويتي وصندوق سلطنة عمان للتنمية ودولة قطر ودولة الجزائر والحكومة الصينية عبر الشركات المحلية والأجنبية التي أسهمت بصورة فاعلة في احداث النهضة التنموية بالبلاد وماتزال هذه الصناديق والدول لديها ماتقدمه في وجود العلاقة الموثوقة والجيدة مع بلادنا ومع وحدة السدود الضامن لذهاب التمويل للمشروعات المخصصة من خلال نظام راسخ في المتابعة الادارية والمالية والتدقيق في الحسابات والعقود والإلتزام التام بالدفعيات حسب الآجال المحددة والمتعارف عليها لدي بيوت الخبرة العالمية .
ربما يري البعض ان ذلك مستغربا ..لكن الوحدة تحتاج للغطاء السياسي والارادة الادارية الراسخة والقيادة النافذة التي تضع مصلحة البلاد العليا نصب اعينها هذا بجانب الأداء الإداري الملتزم بكافة الإجراءت بالإضافة للثقة في مقدراتها علي الإنجاز في الاوقات الصعبة كعهدها دائماً .. لذلك وزارة المالية هي الجهة الوحيدة التي تحفظ كتاب إنجازات وحدة السدود عن ظهر قلب بما التمسته في تجربتها من دقة في العمل الاداري والمحاسبي والإجرائي القائم علي الشفافية والوضوح والبعد عن المزايدات بكل اشكالها .
هذا ان كانت ادارة الدولة تبحث حقيقة عن مخرج من أزمة الغذاء العالمية التي تهدد بلادنا بجانب الالتزام ببرنامج الألفية التنموي الذي يركز علي سهولة الحياة ومعاش الناس الي جانب استقرار مواطن الريف والحضر الذي انهكته الحروب والنزوح بجانب عدم الاستقرار في التعليم والصحة والغذاء الذي يعد السبب الرئيس في كثير من الصراعات القبلية بحثا عن المياه واستقرار المرعي والحياة الكريمة.
الي ذلك الحين تظل وحدة تنفيذ السدود تبحث عن قناعات جديدة لدورها التنموي الفاعل كما تظل مبعثرة بين صراع النفوذ و السيطرة ومأزق التبعية لجهة ضامنة لاستمرار مشروعاتها التنمويةالراسخة والمسخرة لفائدة اهل السودان جميعآ بلا استثناء .