المندرة نيوز

عروة الصادق يكتب.. تلافي الحرب في السودان قبل الاتلاف

الخرطوم =^المندرة نيوز ^

✓• في النزاع المسلح أو الحروب أو الاقتتالات القبلية والحروب الأهلية تتم الدراسة باستفاضة لتأثير النزاع المسلح وعواقبه، أو الإهتمام بالأزمات وبالسياسات والقضايا السياسية ذات الصلة بالنزاع. وغالبًا ما يركز الجنرالات على النتائج والهزائم والانتصارات ، والنجاحات أو الإخفاقات المرتبطة بتحركات القوى العسكرية في الميدان، ويتسندون على المناهج الاستراتيجية والتشغيلية والتكتيكية والتموضعات الميدانية، فيما يكون تأثير الحرب والصراع على نطاق أوسع يشمل المجتمع وموارده وحدوده والجوار المحلي والإقليمي والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية والرياضية والأكاديمية والملفات الخدمية.

✓• والحرب لا تأتي بين يوم وليلة أو تأتي كما الزلازل أو البرق وإنما كثيرا ما يتم الاستعداد للحرب وتهيئة الأرض والموارد والجنود لها، ولا سيما استعداد القوات العسكرية والتكتيكات والاستراتيجيات والمهمات والمواقع والعدة والعتاد، وهو ما يعني أن أي نزاع يتم يقع عن إدراك تام للقائمين به والمشرفين عليه وليس محض صدفة، وفي هذا تقع المسؤوليات على أجهزة مهمتها استشعار الخطر الأمني الداهم والمهدد للاستقرار في البلاد والممزق للحمة الاجتماعية، وفي هذا يستعين قادة الحرب بمجموعات اسناد فنية وتقنية وإعلامية ومجموعات مدنية تدعمهم وتخذل العدو.

✓• ولأن الحروب والنزاعات في السودان والمنطقة والعالم هي واحدة من أقدم الأنشطة التي عرفتها ومارستها البشرية بشغف وشرر وعدوان ومارست فيها ما مارست من بطش وتنكيل وانتهاكات، فمن الصعب جدا التأصيل للنزاعات العسكرية والحروب الأهلية وفي اعتقادي حتى تصوير الاقتتال السوداني بأنه بدأ في انانيا الأولى 1955م ليس صحيحا لأن ذلك التاريخ كان واحدة من نقاط صعود الصراع على السطح وكذلك الأنانيا الثانية في 1983م وكذلك الخطأ أيضا في تصوير الحرب في إقليم دارفور بالعام ( 2002- 2003م) وذلك لأن هناك عشرات المناوشات والحروب البينية سبقت الإنفجار الأكبر الذي يخلف مئات الضحايا وآلاف النازحين وعشرات الأزمات. وستظل غريزة الاستحواذ على الموارد والصراع من أجل البقاء هي المحفز الأول على النزاعات، وفي ذلك لن يتوانى الإنسان من استخدام أي آلة أو تكتيك أو منهج للصراع تقوده لذلك مقولة مأثورة: (الغاية تبرر الوسيلة)، والسودانيون حشد تراثهم الشعبي بمعاني تبرر انتزاع الحقوق اتخذها البعض مبررا للتنازع الذي يؤدي للحروب كقولههم: «ما حك ظفرك مثل جلدك» و «حقك تلاوي وتقلعو».

✓• ارتبطت مسألة الاستعداد للحروب والنزاع المسلح والتهديد العسكري في التاريخ ارتباطًا وثيقًا بالأسباب الأساسية للحرب حيث يقرأ ذلك بسياقات موضوعية وذاتية وزمكانية. وفي السودان انطلقت النزاعات والحروب لأسباب كثيرة منها الصراع على الموارد والسلطة والثروة والنضال من أجل الاستقلال والحروب البينية بين المجموعات الرعوية والمزارعين، والاقتتال القبلي على أسس عنصرية وإثنية وأكبرها الحروب التي دامت لعقوت على أساس الهوية الدينية والإستعلاءات الثقافية والحرب ضد الحكومة المركزية بدعاوي التهميش والتظلمات الاجتماعية والاقتصادية، ولا أحد ينكر تاريخيا أن السودان خاض معارك خلفت ضغائن وغبائن اجتماعية موروثة وضحايا انتهاكات واسترقاق، وبذلك يمكن تلخيص اسباب الاستعاد للحروب في عدد من القضايا الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية والعرقية والدينية والتنموية وغيرها.

✓• ولا أحد يستطيع خوض الحرب أو النزاع ما لم يتم التأكيد على تأييد ودعم والتزام المواطنين الموالين له في وهذا يتم بما يسمى “التعبئة والتجييش والاستقطاب والتحشيد والتزام الشعب ” وهو بعد حاسم في أي معركة وهذا يوضح أن النزاع عند اندلاعه قد أكمل حلقة التعبئة والتجييش والاستقطب وهي مراحل لا تتم في الخفاء وإنما في العلن وتستخدم لها موارد كبيرة مرصودة ومرافق معلومة بل وأجهزة إعلام في كثير من الأحيان حكومية، وتظل السلطة السياسية على دراية وعلم بما يجري ليس في محيطها المحلي فقط بل حتى بما يحدث في المناطق المتاخمة حتى تلك التي تقع في محيط دول جارة وشقيقية،والمليشيا أو الجيش الذي ينفذ العمليات العسكرية لا يتحرك بمعزل عن توجيهات السلطة السياسية، التي في الغالب تكون ملمة بتفاصيل الحروب والنزاعات ومسبباتها والمتورطين فيها، وأي جندي أو قائد عسكري أو قائد مليشيا يضع في ذهنه مقولة عسكرية خالدة “لا يمكن لأي جيش في العالم أن يأمل في الفوز بدون وجود دولة(شعب، أرض، سلطات) موحدة وراءه، وفي اعتقاد أن التوهم بأن الشعب راغب في الحرب أو أنه موحد خلف القيادة العسكرية كثيرا ما يدخل تلك المجتمعات في حروب تهزم فيها الشعوب، وتتبدد فيها الموارد وتنتهك فيها سيادة الأرض وتتمزق وحدتها وتتسلل الأيادي الخارجية العابثة.

✓• جراء هذه السياسات الخاطئة والأيدولوجيات الواهمة والنعرات الإستعلائية والتحركات الاستيطانية يتم التذرع بضرورة التدخل العسكري وإحلال وضع (الطواريء) عوضاً عن الأوضاع الطبيعية والاعتيادية للحكم والإدارة، وحينئذ تحل “عسكرة” الدولة أو الإقليم أو المنطقة أو نظام الحكم فيه، فيستخدم قادة الدولة بشكل متزايد الجيش وسلطاته وقوات الأمن وصلاحياتها بدلاً من إيجاد حلول من خلال التفاوض أو التوافق الاجتماعي أو الإجراءات المدنية الديمقراطية كالأقسام الشرطية والمحاكم الجنائية والإجراءات القضائية فيحل عسف الطواريء ليعمم السيطرة على الجميع بقاعدة يرددها العسكريون (الخير يخص والشر يعم). تتجلى العسكرة عندما يبدأ بلد أو إقليم أو منطقة أو مجموعة سكانية في الشعور بالتهديد أو يتم تحريضهم من قبل النخبة السياسية لتوسيع المصالح الاقتصادية والاستحواذ على المكاسب الوطنية في المنطقة المعنية. هذا ما تستخدمه الدول والأنظمة السياسية التي تريد توطيد النظام العسكري والسلطة الاستبدادية وما يؤسف له أن الصرف وقتئذ ينصرف نحو التشوين العسكري والصرف الأمني وإهدار الموارد وإهمال مشاريع التنمية والتعليم وتقديم الخدمات وحقوق الإنسان والعدالة والحريات العامة والديمقراطية والمساواة ، ويحل محل ذلك التمييز للمجموعات الممالئة للسلطة المستبدة واستعداء تلك الكيانات الناقمة عليها ما يخلف انتهاكا قد يقود للتدخلات الدولية كما حدث في السودان بصدور أكثر من 60 قرار وإدانة دولية في حقه من مجلس الأمن الدولي.

✓• يتراءىٰ لكثريرن أن رفض عسكرة الدولة هو رفض للجيوش القومية ولكن بالعكس هو رغبة في أن تكون تلك الجيوش قومية ومهنية ومستقلة عن الصراع السياسي، وما تفعله يكون نتاج العديد من التأهيل والتدريب والعمليات المعقدة والخطوات الراسخة والعقيدة القتالية المتجذرة بعمق في سجية أفرادها ومؤسساتها والبيئة التي تعمل فيها. وأن تعمل وفق ما هو متعارف عليه عالميا في الدول الديمقراطية والمدنية فعادة ما يتم تحديد حجم القوات العسكرية من خلال المخصصات الوطنية للموارد من خلال ميزانية الدفاع المعتمدة سنويا في الموازنة العامة للدولة وغيرها من العمليات الموجهة دستوريًا وسياسيًا وأن تعمل وفق قانون مجاز من برلمان ديمقراطي. وأن يتم تحديد طبيعة هذه القوات وتكوينها وتنظيمها وانضباطها في هيئة قيادة أو أركان موحدة وبشكل يوضح قوميتها، وواجب الدولة حينذاك تعزيزها وتأهيلها وتوفير كافة احتياجاتها والإهتمام بكافة المرافق والمؤسسات العسكرية وأفرادها على وجه الخصوص. وأن تتعامل مثل معظم المؤسسات الاجتماعية والمدنية التي يصرف عليها بامتياز ، وأن تحدد طبيعة الأفراد فعالية القوات العسكرية من خلال تجويد الممارسة وتحسين السلوك عبر التدريب المتراصف مع دول متقدمة في هذا المضمار ومتطورة مهنيا وتقنيا.

✓• كل هذا ليس لشيء سوى لأن تكون دولتنا وجيشها أكثر جاهزية واستعداد لما يواجه الجيوش من تحديات استراتيجية تمس أمن الوطن والمواطن وتعتدي على الدستور والديمثراطية، وأن يكون مجرد التفكير في الاستعداد للحرب مختلفا لما هو متصور الآن، فكثير من قادة القوات المسلحة وقادة المجموعات والمليشيات يصورون الاستعداد للحرب بصورة أشبه بحروب (الغوريلا) في غابات القارة أو حروب المدن التي يتم التدرب عليها في معسكرات مختلفة بصورة سرية عبر الخبراء الروس والإيراينين، وأن ما يحدث الآن هو عبارة عن تحويل لمفوهم الحرب لتكون حربا (فوضوية) و (عبثية) في ظل عالم يتجه نحو حروب الجيل الخامس ويتمنع عن إضرام الحرب النووية، الواجب الذي لا غنى عنه هو الحديث المؤثر من قادة الدولة لهؤلاء العسكريين بأن مفهوم الحرب يجب أن ينأى عن الوطن والمواطن وإنما ينحصر في العقل الجماعي للمؤسسة العسكرية والمليشيات المسلحة ضد الأعداء خارج الحدود ولا ينبغى أن تخوض كتائب القوات المسلحة وأسلحتها المختلفة حربا داخلية ضد أي مواطن سوداني إلا في حال اسنفاذ سبل الحوار ومثل بتواجده داخل الوطن تهديدا للسلم والأمن القومي.

✓• لا نريد أن يكون تحت أيادي جنود القوات المسلحة والقوات النظامية السودانية ضحايا مدنيين، وبالضرورة محو الصورة الذهنية التي تصور الجندي السوداني منتهكا لحقوق الضحايا والتي خلفتها الفجوات الزمنية النفسية والأخلاقية المتولدة بين الجنود والمواطنين جراء ممارسات الأنظمة السياسية المستبدة، تظهر صورة عالمية للحرب والجندي. ولا بد من وضع صورة تليق بعظمة وكبرياء السودان وفدائية الجندي السوداني المستعد لأن يكون هو الضحية وفق القسم الذي يلزمه بالتضحية من أجل وطنه ومواطنيه. وأن يستشعر ذلك وهو يمسك بسلاحه ويقاتل في البر والبحر والجو أو في المقار القتالية الآمنة خلف العالم السبراني يواجه أعتى التدخلات في الشأن السوداني ويصد أي عدوان يستهدف الوطن ومواطنيه، حينها سيجل المواطنون جنودهم ويبجلون صنيعهم ويقل أعداد الضحايا بفعل سبيل المضحين الذين يفتدون أوطانهم كما فعل بنبي الله إسماعيل عليه السلام.

✓• إن السودان وطن مترامي الأطراف جغرافيا، ومتعدد مناخيا، ومتنوع طبوغرافيا ومتداخل جيوسياسيا ولا يمكنك التهرب أو التجاوز أو التحايل على الطبيعة والتضاريس والجغرافيا والمناخ في الحرب وتوقيت اندلاع النزاع فيه يرتبط ارتباطا وثيقا بتلك التعقيدات. حتى وإن قرر القائد تجاهل الجغرافيا في تخطيطه آملا فقط في الحصول على الانتصار والانجاز الأفضل فلن يحصل عليه. ومن خلال التوقيتات الزمكانية يستطيع المراقب للشأن السوداني والمتتبع لتاريخ النزاعات معرفة من من القادة اتخذ قرارا بإضرام هذه الحروب أو تلك المعارك، لأن الأساليب تدل على المتسبب والأسباب.

✓• قيادة الدول إلى اللا استقرار واتخاذ قرارات الحرب يتم بالاستدراج نحو الزمكان الأنسب استراتيجيا، والسودان كدولة خاض عددا من الحروب الداخلية بالنظر لتوقيتاتها الزمكانية والتدخلات الخارجية والربط بينها وبين مصالح بعض الدول نستطيع التأكيد بأنه طوال تلك الفترات للأجندة الإقليمية والدولية وأجهزة الاستخبارات المحيطة يد طولى فيها، وأن تلك النزعات ترتبط ارتباطا وثيقا بقرارات محلية وإقليمية ودولية وتجلى هذا بصورة واضحة في (إنقلاب 25 أكتوبر 2021) وارتباطه بالملف الروسي وتوفير الاحتياطي الكبير من الذهب وكذلك رفع إحتياطي مصر لحوالي 44 طن من الذهب في النصف الأول للعام 2022م، والآن دخول منطقة النيل الأزرق دائرة التوتر يأتي متزامنا مع الملء الثالث لسد النهضة الذي يبعد عشرات الكيلومترات فقط من منطقة النزاع، وأستطيع القول جازما أن الحرب ظاهرة معقدة يتعين على الدول التفكير فيها وتبذل جهدها مواردها وامكاناتها لتسعيرها وتنفيذها بالأصالة أو الوكالة. يتعين على صانعي القرار ومهندسي السياسات والاستراتيجيين والنشطاء والخبراء والممارسين العسكريين أن يتعاملوا مع السؤال المحير المتعلق بالظروف التي يجب إنشاؤها لضمان النجاح في التخطيط الدفاعي وسير الحرب وهو ما لم يتدارسه أو يتداركه صناع القرار في السودان. فالصراع اليوم لا يعتمد على كثرة قوات المشاة على الأرض ولا على التاريخ الطويل في خوض الحروب ولا بالتمويل الذي يتم توفيره للتجهيزات العسكرية، لأن النجاح في الحرب والمعركة يعتمد على عناصر متنوعة مثل التخطيط والدعم الشعبي، القوة الاقتصادية، والجغرافيا، والطقس، والتكنولوجيا، والقيادة والسيطرة، واللوجستيات، والنقل، والتدريب، وأنظمة الأسلحة، والمعدات، والقيادة، والمهارة في استخدام الأسلحةوفوق كل ذلك فإن الذكاء دائمًا عنصر أساسي، والذكاء اليوم ليس ذهنيا فطريا فقد تدخل الذكاء الصناعي بأجيال مختلفة وهو العامل الفصل في التخطيط والبدء والتنفيذ والاستدامة وتحقيق النصر الأكيد.

✓• ختاما: تجدد الصراعات في السودان لا يخرج من دائرة التداخل الكبير بين مصالح دول المنطقة واللإقليم، وهو خطوة لإقحام القوات النظامية للصراع من جديد ضد مجموعات دخلت في حالة اللا حرب واللا سلام منذ سقوط المخلوع في 2019م، فجميع الحروب التي كانت تؤجج سابقا أسهمت في تردي الوضع الأمني والاقتصادي والسياسي والتنموي وعصفت بالاستقرار في البلاد، ومكنت حفنة من السياسيين والعملاء لخدمة الأجندة الخارجية، وقد قطعت الثورة السودانية الطريق أمام ذلك الاستغلال للقرار السياسي السوداني والموارد المعدنية والطبيعية والبشرية من دول لا تريد للسودان المضي قدما وتعرقل استقلال قراره.
• وواجبنا التصدي الجماعي لتحقيق أكبر كتلة سياسية اجتماعية قومية تاريخية تتصدى لجر السودان لأتون حروب بالوكالة وتقف أمام (الجهلاء والوكلاء والعملاء) لتحقيق استقلال القرار الوطني واستدامة السلام وإستعادة واستكمال التحول الديمقراطي التام، والتنعم بخيرات البلاد وتصديرها وفق سياسات معروفة وقفل بوابات التسريب ونفاجات التخريب للاقتصاد الوطني، وإلا فستسمر رحا الحرب وتتنقل بين أطراف السودان المختلفة لتسهم لاحقاً في تمزيق أوصال الوطن وتقسيمه لدويلات كما هو مخطط له.

 

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب