أعلنت الشرطة عن ضبط أكثر قليلاً من 18 كيلو جرام من الذهب السوداني قبيل إقلاع طائرة سودانية من مدرج مطار الخرطوم، في سياق درامي مثير يؤكد حقيقتين، الأولى أن التهريب عملية مستمرة روتينية يومية سهلة، والثانية، أن الشحنة المضبوطة “دقت في العارضة” لا أكثر،ولا تمثل إلا قطرة في بحر الذهب المهرب عبر المعابر الرسمية السودانية.
لكن قبل هذا وذاك، أثبتت الحادثة أن القوات النظامية بالمطار، الشرطة والمخابرات بريئة تماماً من حلقات التواطؤ في تهريب الذهب، فنظرة فاحصة للعملية المحبطة تثبت أن مسارات التهريب لا تمر عبر البوابات التي تحرسها هذه القوات، وأن جهات أخرى، وليس مجرد أفراد هي التي تشرف على “سلامة” عمليات التهريب.
وهنا المصيبة الأكبر..!!
سبق لأكثر من مصدر مطلع تأكيد أن التهريب اليومي عبر المعابر الرسمية لا يقل عن 150 كيلو جراماً من الذهب السوداني، وتدعم ذلك الأرقام الرسمية التي تحدد الكميات الواصلة إلى أسواق دبي والتي تفوق كثيراً الأرقام المعلنة من المصادر الرسمية السودانية عن الذهب المصدر.
العائد من تهريب الذهب أموال مهولة تكفي لإغراق كل بوابات السدود التي تقف أمام مجرى نهر التهريب. ويبدو أنها عملية مستمرة لسنوات طويلة عابرة للنظم السياسية، فهي لا تتأثر بثورة جماهيرية ولا الإطاحة بنظام الحكم البائد، فالذهب لا دين ولا نظام سياسي له.
ويصبح السؤال، كيف يمكن إيقاف تهريب الذهب؟
الإجابة الصادمة العاجلة، لا سبيل إلى ذلك، فالذهب يهربه الجان، و للأسف القانون الجنائي ليس فيه مواد تدين الجان أو تحيله إلى النيابة ومنصات القضاء، ف:
(حبيبة قلبك يا ولدي نائمة في قصرٍ مرصود.
من يدخل حجرتها، من يطلب يدها
من يدنو من سور حديقتها، من حاول فكّ ضفائرها
يا ولدي مفقودٌ مفقود)
كما قال الشاعر نزار قباني.
تهريب الذهب لا حل نهائي له سوى رفع الأسباب التي تدعو لتهريبه، أن تنشأ بورصة للتداول في الذهب هنا في الخرطوم، فيجد المنتجون والتجار والمهربون حاجتهم هنا في الخرطوم دون حاجة لتكبد مشاق السفر ودفع الرشاوى والعمولات.
من الممكن أن تصبح الخرطوم عاصمة الذهب، ليس من المنتج السوداني فحسب، بل الذهب العالمي الذي قد يجد الظروف والجاذبية ذاتها هنا في الخرطوم.
وللحقيقة، ليس الذهب وحده، كثير من السلع والخدمات العالمية قابلة للتوطين في ملاذ آمن في السودان ليصبح أكبر سوق عالمية، ولكن للأسف العقليات قصيرة المدى والتي تعيش اليوميات ولا تنظر في الأفق، لن تستطيع أن ترى إلا الإثارة في قصص التهريب.
!يا ترى، كم كرة ولجت الشباك ولم (تدق في العارضة) ….