من دفتر مقاربات ومقارنات
القندول الفنقل الريكة.!
دكتور/مهندس نجاة الامين عبدالرحمن خبيرالاستراتيجيةوالقانونية
الخرطوم=^المندرة نيوز^
قبل البدء ،العشم وكل العشم ان اجد اذن صاغية وسماحة وثلاجة صدر رحب .. لاصطحاب بعض الامثال مقاربة ومقارنة تحليلا لبعض المشاكل عسى ان نجد بعض الحلول لها.. وعلى سبيل المثال لا الحصر..منها (القندول الفنقل الريكة)..(القشة التى قصمت ظهر البعير) ..الخ..وعليه لابد من الوقوف عند بعض من المفاهيم ، والعبارات، و الاقوال المأثورة، والامثال الشعبية ، من الموروثات والثقافات السودانية العريقة، التى هى من تراث بلادى ..فماهو القندول ؟يعرفه خبراء وعلماء الزراعة هو نبات عشبى من اجناس النباتات التى تتبع الفصيلةالبقولية، كما انه يطلق على انواع عديدة من النباتات فى العالم فمنها على سبيل المثال نباتات المحاصيل النشوية، التى تنمو فى بيئات مختلفة حول العالم،وهذه لها فوائد غذائية للانسان والحيوان والتربة،وقندول العيش يطلق على الجراب او الكأس فى قمة القصبة من النبات و توجد بداخل هذا الجراب او الكأس حبوب العيش او البذور ..وبعضهم يطلق على الكاس والقصبة (السنبلة )التى بداخلها العيش او الحبوب.. (وللتذكير والزكرى.. ان الزكرى تنفع المؤمنين ،نزكر تلك السبعة سنبلات (الخضر/واليابسات ) بسورة سيدنا يوسف اية (46) التى كانت السبب الرئيسى لوضع اهم استراتيجية للتخزين لمعالجة اكبر مشاكل الاقتصاد الكلى والجزئ والامن الغذائى فى العالم ..) وهنا نقارب ونقارن الاية الكريمة باخذ الجانب الحسى المضئ والحسن لمسمى القندول او السنبلة لما مافيها من خير وفير للعباد..لنعرف ماهى الريكة ؟الريكة فهى تسمية من العامية السودانية..يقول : خبراء الفلكور الشعبى انها من المصنوعات اليدوية ، وهى طبق يصنع من السعف ويحلى بالالوان الزاهية الجميلة وهى تستخدم لتغطية الطعام او وضع وحفظ الكسرة وقناديل العيش بها.. وعادة يمتهن صناعتها وتجويدها بعض من النساء المحترفات ..واجودها واجملها من ياتى من جهات مخصصة بغرب السودان الحبيب.. وبالتحديد من الفاشر والابيض.. وفى استراحة خاطفة داخل بيوتنا السودانية العريقة لتعريف الاجيال باهم الموروثات (من تراث اجدادنا )التى نتمنى ان تحفظ فى الوجدان من منطلق المثل السودانى( الماعندو قديم ماعندو جديد )..نقف كذلك عند ماهو التكل ؟ هو فى المعنى دعوة للطعام ، وهنا يظهر الجود والكرم للسودانى الاصيل ،اما فى التعريف فهى تسمية من العامية السودانية فهو مكان او باحة او فسحة صغيرةمن البيت يعرف بالتكل اى (المطبخ التقليدى/الراكوبة) يبنى من المواد المحلية القش، والحطب ،وسيقان النباتات، ويوجد بداخله ملتزمات المطبخ البسيط التقليدية (الكانون/الصاج/النملية/الكتوش/البرمة/اللداية/الطبق او الريكة/ العنكريب / المشلعيب/ القفة/المحراكة/الطبلية/البنمبر/..الخ..) .. وهنا نقف نسترجع ماذا تعنى كلمة (فنقل) فهى كذلك من العامية السودانية تطابق معنى شنغل او اسقط كما تفيد الاستلقاء على القفاء او الظهر ووضع رجل على رجل مما يعنى ان هذا الشخص فى حالة او مزاج جيد (راحة ).. كما نزكر بعض من كل من المسميات العامية من البئية السودانية حيث يطلق اسم( تقرة/ كريت /غنماية/ على المعزة اوالعنزة.. اذن فماهى قصة القندول الفنقل الريكة.. حقيقة هى قصة صارت مثلا يضرب عند ضياع حق للفرد او الجميع او المجتمع بسبب مشكلة كان بالامكان حلها او تداركها بابسط الحلول المتوفرة دون عناء او عناد او عصبية ،وهنا يستحضرنى المثل (القشة التى قصمت ظهر البعير..) .. وفى اعتقادى لم تكن القشة هى السبب الرئيسى فى قصم ظهر البعير ولكن كان الجدل العقيم الذى نشأ حول مقدرة البعير فى التحمل والحمل ..و نزكر هذه القصة عسى ان نستخلص منها العبر والعظات والدروس لحل كثير من المشاكل والمحن التى ارهقت كاهل وطننا العزيز،وتعود احداث قصة هذا المثل القندول الفنقل الريكة الى وقوع قتال واقتتال وخصام ذات فجور بين رجلان يسكنان بنفس القرية وذلك بسبب (تقرة) دخلت دار احدهم وبالتحديد (التكل) وقامت باتلافه واسقاط الريكة ومابها من كسرة. .. الشاهد ان الطرفين اقتتلا بتهور وعصبية وعدم تروى.. ووقع الخراب والدمار بقريتهما التى اصبحت اثر بعد عين.. لا وجود لها. ،وذلك بسبب هذه التقرة التى كانت ترى قندول عيش كان يحفظ بكتوش داخل هذا (التكل)،ومن باب المفيد المختصر انه عند ما يرى حيوان الماشية (المجترات) العلف الاخضر(البرسيم/ابوسبعين) او خاصة(قندول العيش) سيندفع اليه دون حذر وقد يثار للحاق به وخاصة ان هذا النوع من الماعز صحراوي (راجع كتاب طبائع الحيوان لشرف الزمان الميزورى/او دروس ال (Animal husbandry)من علوم الطب البيطرى والانتاج الحيوانى) لذلك اخذت هذه (التقرة) تقفز هنا وهناك دون هداية وتركيز للحصول على هذا القندول ..مما ادى الى سقوط الريكة ومابها من كسرة على الارض ،وهذا مما اثارغضب صاحب هذه الدار الذى لم يهدأ له غضب او هياج الا وان ينتقم اشد انتقام من (التقرة) وصاحبها وفعل..! مما اورد هذه القرية واهلها شر الهلاك ..
وفى سياحة معرفية شيقة بين امهات و سطور مجلدات وكتب القانون المدنى بشقيه المسئولية التقصيرية والمسئولية العقدية، لعقد مقاربة بسيطة مابين واقعة(التقرة )و وبقرة (بوهين) سابقة قضائية..،نزكر ان هذه البقرة، دخلت مزرعة احدهم وخربتها.. كما فعلت(التقرة) التى كانت تقصد القندول الذى بسببه دمر كل شئ داخل هذا التكل..حقيقة التشابه فى المقاربة بين الواقعتين متوفر خاصة فى تحديد المسئولية وفى المقارنة بين اسباب ضرب المثل للواقعتين نجد ان فى كلاهما يسود الجدل وعدم التروى والحكمة فى معالجة المشاكل مما ادى الى هلاك القرية ..ولنهدا قليلا نسترجع المشاكل التى ارهقت كاهل وطننا العزيز منذ الاستقلال مع اصطحاب بعض من هذه الامثال والحكم لنستلهم ونستخلص منها الدروس والعظات والعبر عسى ان تكون بادرات حلول لبعض من هذه المشاكل ،وقبل ذلك لابد من طرح عدد من الاسئلة والاستفسارات لا بغرض الحصول على اجابة كما هو متعارف عليه من طرح الاسئلة او الاستفسارات ولكن لان بعض من هذه الاسئلة او الاستفسارات فى اعتقادى اجابتها قد تمت بوقوع هذه المشاكل التى نعيشها الان.. كما وان بعض من هذه الاسئلة يستطيع القارئ الفطن ان يستدرك الهدف من طرحها ولا تحتاج الى عسير محاولة للاجابة ،واليكم الاسئلة والاستفسارات ..
– هل قوانين سبتمبر 1983م كانت القندول الفنقل الريكة واندلاع الحرب الاهلية الثانية بالسودان؟
– هل برتوكول او اتفاقية مشاكوس2002م (ايقاد) كان فتح شهية وبوادر بذرة للمنادة بالحكم الذاتى وتقرير المصير لاقاليم السودان لتقسيم الوطن العزيز وقتذاك و..حئنذ؟!
وفى سردية تاريخية بسيطة نزكر تمرد/نزاع تطور الى حرب ارقت ماقى الشعب السودانى ردحا من الزمان و التى عرفت بحرب الجنوب الاهلية فى السودان التى بدأت فصولها قبل الاستقلال 1955م وذلك بسبب تمرد حركة الانانيا (الافعى) على الجيش السودانى ،استمر هذا التمرد 21 عاما قتل فيه كثير من الشيبةوالشباب وعطلت التنمية واعتل الاقتصاد واصيب الشعب بمتلازمة العوز الثلاثى (الفقر-المرض-الجهل) وفى محاولة لايقاف هذا التمرد والحرب الاستنزافية، ابرمت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات لاجل انهاء هذه الحرب الطويلة التى ارهقت كاهل الوطن نقف قليلا نسترجع بعض من هذه المعاهدات او البرتوكولات او الاتفاقيات التى ابرمت بهدف تخليص البلاد من النزاعات والحروب المستمرة ..وقبل ان نزكر هذه الاتفاقيات لنستريح قليلا عند مؤتمر المائدة المستديرة مارس 1965م الذى كان انعقاده ابان حكومة سر الختم الخليفة بغرض مناقشة العلاقات الدستورية بين الشماليين والجنوبين وكانت نتيجة هذا المؤتمر انشقاق المطالب الى ثلاثة مطالب هى(-مطالبة الوحدة-مطالبة الانفصال-مطالبة الحكم الذاتى تحت سودان موحد وحكم فدرالى ) ولكن دوام الحال من المحال تكونت لجنة لمراجعة هذه المطالب التى التى ذهبت ادراج الرياح مع ذهاب حكومة سر الختم الخليفة لتستعر الحرب..ونقف عند بعض هذه الاتفاقيات ومنها على سبيل المثال لا الحصر اتفاقية ابوجا/1 ،اتفاقية ابوجا/2 ،اتفاقية كوكادام (الصادق المهدى والاحزاب والحركة الشعبية 1986م )وفيها طالب احد اطراف المطالبة بالغاء قوانين سبتمبر1983م والغاء اتفاقية الدفاع بين مصر وليبا، ولكن هذه الاتفاقية لم يتم التوقيع عليها فى حينها ولكن تم التوقيع عليها لاحقا ..وهنا لابد ان نشير لظاهرة اقصاء ممنهج تم تجاه بعض من القوى السياسية والحزبية أنذاك، مثال للزكر لا للحصر ،عدم اشراك حزب الجبهة القومية الاسلامية بهذه المبادرة ادى الى ظهور عدم الرضا والتذمر من بعض المشاركين بالاتفاقية (الجانبين ) مماساعد ذلك الى فشل هذه الاتفاقية ففى اعتقادى ان هذا الاقصاء قاد الى الجدل الذى بدوره ادى لانقسام بين الاطراف المشاركة بسببه دخل الجنوبيين الغابة كما كان يحلو لهم انذاك واستعرت الحرب..وبمقاربة بسيطة لهذا الجدل وهذه الانقسامات والتذمر بين المشاركين نتيحة لهذا الاقصاء تجد دلالات مشابه لقصةهذا المثل “القشة التى قصمت ظهر البعير ” وعلى نفس وتيرة الاتفاقيات محاولة لاخماد نيران الحرب او ايقاف اطلاق النار وللتذكير نزكركذلك اتفاقية اديس ابا ابا 1972م التى وقعت من اجل انهاء تمرد حركة الانانيا وجيش السودان وهذه الاتفاقية تعرف باتفاقية التنازلات والحكم الذاتى للجنوبيين بسببها توقفت الحرب ودارت عجلة التنمية فى البلاد واستقر الوطن فى ظل هذه الاتفاقية فترة احد عشرة عام ولكن هيهات هيهات حدث ما لم يكن فى الحسبان حيث تسبب تمرد احدى الحاميات بالجنوب بقيادة قرنق على الجيش السودانى..وكذلك سن قوانين سبتمبر 1983م فى اجهاض هذه الاتفاقية واستعرت الحرب ..وفى اعتقادى وبمقاربة بسيطة ان هذا التمرد الذى نشب و القوانين التى سنت ابان حكومة مايو(جعفر نميرى) تتشابه واحداث قصة المثل السودانى القندول الفنقل الريكة.. ويتقارب نفس الحال واحوال ضرب المثل فى اتفاقية مبادرة السلام الميرغنى/قرنق 1988م التى كانت تهدف الى اعادة السلام واقراره تمهيدا لاستدامة التنمية ولكن حكومة الصادق المهدى 1988م عملت على اضعاف تنفيذ بنود هذه الاتفاقية لرغبةالمهدى فى الغاء هذه الاتفاقية ، مما ادى الى ذهاب وتمرد الجنوبين الى الغابة ونشوب الحرب الاهلية المرحلة الثانية واستعرت الحرب ..كما ولابد من زكر اتفاقية (نيفاشا) السلام الشامل 2005م، وقبلها نقف عند برتوكول مشاكوس 2002م (ايقاد)بقيادة الرئيس الكينى دانيال ارب موى لحل نزاع السودان للوصول لسلام عادل ياتى عن طريق التفاوض وهو برتوكول لاعلان المبادئ لمصلحة الشعب السودانى وجنوب السودان وهذه الاتفاقية فى اعتقادى كانت فاتحة الشهية للمنادة بالحكم الذاتى وتقرير المصير تمهيدا لتقسيم الوطن العزيز ..ويؤكد ذلك ما صار اليه حال السودان من انقسام وانفصال الجنوب 2011م (وتم الانفصال على هامش استفتاء غير عادل بمبرر الوحدة غير جاذبة، وذلك بعد مضى ستة اعوام بحكومة انتقالية كاملة الدسم شارك فيها كل الشماليين والجنوبين بانسجام تام على امل الوحدة ستكون جاذبة ولكن هيهات هيهات..) ..وفى اعتقادى ما يدور الان من حرب والاصرار على استمرارها.. ومحاولة الايقاد الاخيرة فى الحرب الدائرة الان ماهو الا فصل من فصول المشاكوس الكينية وما اشبه الامس باليوم..! واكرر ماهى الا محاولة او محاكاة او سناريو جديد او خلق برتوكول مماثل لبنود هذا الاتفاق المشئوم الذى ادى الى انفصال جزء عزيز من السودان والعزيزات كثيرات ببلادى .!
دكتور مهندس/
نجاة الامين عبدالرحمن
اكتوبر2024م