المندرة نيوز

الخالق.. من أسماء الله الحسنى

الخرطوم=^المندرة نيوز^

الدَّلَالَاتُ اللُّغَوِيَّةُ لاسمِ (الخالقِ)[1]:

الخالِقُ في اللغة اسمُ فاعل فِعلُهُ خَلَقَ يخلُقُ خَلقًا.

والخلْق مصْدرٌ مِن الفعل خَلَقَ منه قوله: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ﴾ [السجدة: 7].

ويأتي الخَلْقُ أيضًا بمعنى المخلوقِ، ومنه قوله تعالى: ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [لقمان: 11][2].

والخلْقُ أصلُهُ التقديرُ المستقيمُ، ويُستَعمل في إبداعِ الشَّيءِ من غير أصل ولا احتذاء، وفِي إيجادِ الشَّيءِ مِنَ الشَّيءِ[3].

والخَلْق قد يأتي أيضًا بمعنى الكَذِبِ؛ على اعتبارِ أَنَّ الذي يَكذِبُ يُؤلِّفُ ويُنشئُ كلامًا لا يُطابِقُ الحقيقةَ، ومِنْ ذلك قوله: ﴿ إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ [العنكبوت: 17]، وقوله: ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 137][4].

والخالِقُ فِي أسماءِ الله هو الذي أوْجَدَ جميعَ الأشياءِ بَعْدَ أَنْ لم تكنْ موْجُودةً، وقَدَّرَ أمورَها فِي الأزل بعد أن كانت معدومةً.

والخالِقُ أيضًا هو الذي رَكَّبَ الأشياءَ تركيبًا ورتَّبها بقدرتِه ترتيبًا.

فمِنَ الأدلّةِ على معنى الإنشاءِ والإبداعِ وإيجادِ الأشياءِ مِنَ العدمِ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3].

ومن الأدلة على مَعْنى التركيبِ والترتيبِ الذي يَدلُّ عليه اسمُهُ الخالِقُ قولُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14]، وخُلاصةُ ما ذَكره العلماءُ فِي معنى الخالِقِ أنَّهُ من التقديرِ وهو العِلمُ السَّابقُ، أوْ القُدرةُ على الإيجادِ والتصنيعِ والتكوينِ[5].

والحقيقة أنَّ معنى الخالقِ قائمٌ عليهما معًا، لأنَّ حُدوثَ المخلوقاتِ مرتبطٌ عند السلفِ بمراتب القَدَرِ، فكلُّ مخلوقٍ مهما عظُمَ شأنُهُ أو دَقَّ حجمُه لا بُدَّ أن يَمُرَّ بأربعِ مراتبَ:

وهي عِلمُ اللهِ السابقُ وتقديرُ كلِّ شيءٍ قَبْلَ تصنيعِهِ وتكوينِهِ، وتنظيمُ أمورِ الخلقِ قبل إيجادِهِ وإمدادِهِ، وهو عِلمُ التقدير وحسابُ المقادير.

ثُمَّ بعد ذلك مرتبةُ الكتابةِ وهي كتابةُ المعلومات وتدوينُها بالقلمِ في كلماتٍ، فاللهُ كَتَبَ ما يخُصُّ كلَّ مخلوقٍ في اللوح المحفوظِ، كتب فيه تفصيلَ خلقِهِ وإيجادِهِ وما يلزم لنشأتِهِ وإعدادِهِ ثُمَّ هدايتِهِ وإمدادِهِ وجميعَ ما يرتبطُ بتكوينِهِ وترتيبِ حياتِهِ.

ثم بَعْدَ ذلك المرتبةُ الثالثةُ من مراتبِ القدر وهي مرتبةُ المشيئة فليسَ في الكونِ مشيئةٌ عُليا إلا مشيئةُ اللهِ، فما شاءَ كانَ وما لم يشأ لم يكنْ، والمسلمون من أوَّلِهم إلى آخِرِهم مُجْمِعُون على ذلك.

ثم تأتي المرتبةُ الرابعةُ من مراتبِ القَدَر وهي مرتبةُ خلْقِ الأشياءِ وتكوينِها وتصنيعِها وتنفيذِها وَفْقَ ما قُدِّر لها بمشيئةِ اللهِ في اللوحِ المحفوظِ.

قال ابنُ القيِّمِ: “مراتبُ القضاءِ والقدَرِ التي مَنْ لم يُؤمنْ بها لم يُؤمنْ بالقضاءِ والقدر أربعُ مراتبَ:

المرتبةُ الأولى: عِلمُ الرَّبِ سبحانه بالأشياءِ قَبْلَ كونِها.

المرتبةُ الثانيةُ: كتابتُهُ لها قبل كونِها.

المرتبةُ الثالثةُ: مشيئتُهُ لها.

والرابعةُ: خلقُهُ لها”[6].

فاللهُ سبحانه خالقُ كلِّ شيءٍ تقديرًا وقُدرةً، ومراتبُ القدَر هي المراحلُ التي يَمرُّ بها المخلوقُ مِن كونِهِ معلومةً في علمِ اللهِ إلى أن يُصبحَ واقعًا مخلوقًا مشهودًا.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب