تحديات جوهرية تجابه المساعي النهضوية
شؤون وشجون
الطيب قسم السيد
الخرطوم=^المندرة نيوز^
علي الرغم من أن رعيل الحركة الوطنية الأول خصوصاً في فترة ما بعد مؤتمر الخريجين أواسط ثلاثينيات القرن الماضي قد احسن رسم إستراتيجية التحرير عن طريق الكفاح السلمي. الا ان الواقع الذي عاشته البلاد منذ فجر الاستقلال وحتي يومنا هذا يؤكد بوضوح ان نجاح إستراتيجية التحرير لم يوازيه نجاح في وضع استراتيجية التعمير.
وان سلمنا بان غياب الرؤية السليمة في وضع منهج سليم يرسم تطلعات شعبنا عبر خطة شاملة تحقق تطلعاته المشروعة بعد نجاح إستراتيجية التحرير التي قام عليها رواد الحركة الوطنية وأفلحوا في إنجازها فان عقبات تاريخية ومستديمة ظلت علي مر الفترات الإنتقالية والنسخ الديمقراطية تقعد بطموح شعبنا في النهضة التي يملك كل مقوماتها من موارد طبيعية وبشرية.
أولى هذه المقعدات الأحزاب السودانية التي مافتئت تعاني من صراعاتها الداخلية وتقعدها علي الدوام الدكتاتوريات المسيطرة علي مناهجها بما يعوق إختيارها لقياداتها بالمعايير التي تسهم في رسم توجهاتها ووضع برامجها بالشكل الذي يستوعب حاجات المجتمع ورغباته ويوازن بينها ويضع مصلحة الوطن في مقدمة الأولويات.
أما العلة الثانية فهي الإلتفافات الحزبية العقدية والطائفية علي الحكومات الديمقراطية الشرعية كما واجهت أول حكومة ديمقراطية بقيادة الزعيم الازهري .. تلاها تدبير اليسار الذي انقض عبر الجيش علي الديمقراطية الثانية في مايو 1969 ثم انقض علي قيادتها بعد أن أنتبه نميري لمحاولاته المستمرة لفرض سيطرته علي التنظيم المايوي في بواكيره فكإن أن نفذ اليسار في وضح النهار ماسماه حركة19 يوليو التصحيحية التي انتهت بمجذرة بيت الضيافة الشهيرة ليعود نميري منتصرا عليهم في عصر الثاني والعشرين من يوليو1971 فيعدم قيادتهم المدنية وذراعهم العسكري بااجيش.. ليتكرر المشهد الالتفاقي علي الجيش بتجنيد الإسلاميين لعدد من قياداته في انقلاب يونيو 1989 الذي أطاح بحكومة الديمقراطية الثالثة برئاسة الصادق المهدي الذي ظل متمسكا حتي رحيله بأنه رئيس الوزراء الشرعي للبلاد وطوال فترة الحكم الانقاذي الذي أنهت فترته ثورة ديسمبر المجيدة التي تميزت علي الانتفاضات السابقة بأن فترة انتقالها جاءت لأول مرة بتجربة المكونين العسكري والمدني ويخشي مراقبون الٱن من أن تؤدي الخلافات التي تضرب بحاضنتها السياسية الي شكل ٱخر من الالتفاف علي الجيش تقلل من احتمال حدوثه التأكيدات المستمرة لقيادة الجيش بأنها ستكون الحارس الامين لمكتسبات ثورة ديسمبر وصولا لمرحلة التحول الديمقراطي الحقيقي عبر انتخابات حرة ونزيهة. ووضع حد لمحاولات التسيس للمؤسسة العسكرية من قبل الأحزاب والمكونات السياسية يمينها ويسارها مما يهدد حياد جيشنا وقوميته بل قد ينال منه في بعض الأحيان.
وتتمثل العقبة الثالثة في الفهم الإقصائي عند بعض الطوائف والجماعات العقدية يمينية كانت أو يسارية مما يرسخ الغبن والشعور بالظلم عند الٱخرين فينشا مناخ مساعد علي الخلاف السياسي الذي يتطور احيانا لدرجة النزاع.
أما العقبة الرابعة فهي جنوح الثورات والانتفاضات الي رفع شعارات سياسية مع بداية كل تغيير دون تبني برامج وخطط واضحة يتم طرحها فيما يتعلق بالتنمية وتحقيق النهضة المنتظرة. وتلعب المحاصصات الحزبية والقبلية والجهوية التي تتبع في تشكيل المؤسسات التنفيذية والدستورية و العدلية دورا سالبا يعوق تقديم الكفٱءات المقتدرة للمواقع المهمة والحساسة فيؤتي بكوادر ضعيفة علي حساب العناصر المقتدرة والمؤهلة.
ولكن العقبة الأكثر تأثيرا علي وحدة الدولة وتماسك مؤسساتها فهي ما يعرف بالتمكين الذي ظل يطال الخدمة المدنية مع كل تغيير تشهده البلاد بمسميات عديدة فتبعد الكثير من العناصر المقتدرة ليحل محلها ناشطون تعوزهم الخبرة والتجربة والمؤهل.
اخيرا .. اقول :_ إنه بدون السعي بجد وموضوعية لتجاوز هذه العقبات وغيرها ستستمر في بلدنا هذا الغني بالموارد نفس الحالات السالبة والويلات المدمرة التي ظلت تتعاقب وتتٱزر علي اقعاد طموح شعبه وتفتيت إرادته علي مر الزمان.
والله من وراء القصد