الخرطوم=^المندرة نيوز^
ورود اسم الودود في القرآن الكريم :
هذا الاسم ورد معرفاً ومنوناً، معرف بألف ولام، منون على صيغة نكرة، في قوله تعالى: ” وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ” [البروج:14-16].
وورد أيضاً في قوله تعالى: ” وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ” [هود:90].
ولم يرد هذا الاسم في السنة، إلا في سرد الأسماء الحسنى عند الترمذي، وهذه الأسماء من إدراج الوليد بن مسلم كما تفضل.
المعنى اللغوي لكلمة ودود:
” الودود ” من صيغ المبالغة، وتعلمنا كثيراً أن صيغ المبالغة تعني مبالغة كم، ومبالغة نوع، مودة الله عز وجل لعباده كبيرة جداً ومتنوعة جداً، من حيث النوع، ومن حيث العدد.
ودَ الشيء ودّاً، ووِدّاً، ووَدّاً، العلماء تسمي هذه الكلمات التي تأتي على حركات ثلاث كلمات مثلثة، كأن تقول مُصحف، ومِصحف، ومَصحف، وكل هذه الصيغ صحيحة نقول: هذه كلمة مثلثة، تأتي على حركات ثلاث بمعنى واحد، لكن هناك كلمات، وهذا من دقة اللغة العربية مثلثة، ولكن كل حركة لها معنى، قَدُم: أصبح طبيباً، قَدِم: حضر، قَدَم: سبقه بقدمه، خُلق: من الأخلاق، خَلِق: من الاهتراء، خَلّق: من البنية، خَلّق، خُلق، خَلِق.
البَر ؛ اليابسة، البُر ؛ القمح، البِر ؛ الإحسان، من دقة اللغة العربية كل حركة من حركات الكلمة تعني شيئاً، فهناك كلمات مثلثة معناها واحد، وهناك كلمات مثلثة ذات معاني ثلاث.
إذاً ودَ الشيء، المصدر ودّاً، ووِدّاً، ووَدّاً، بالثليث.
الودود من صيغ المبالغة وهي كلمة مثلثة معناها واحد من معانيها:
1 ـ التمني: المعنى الأول: التمني: ” يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ ” [البقرة:96] يعني إنسان يعتني بصحته عناية فائقة، جيدة، جيد جداً، لكن لو أنه يقيم على معصية مهما عمر لابد من الوفاة.
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفجــر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزول القـبــــر
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبــور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
إذاً ” يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ “.
” إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ” [الغاشية:25-26].
” قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ” [الزمر:15].
” قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا(103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ” [الكهف:103-104].
المعنى الأول: ” يَوَدُّ أَحَدُهُمْ ” أي يتمنى أحدهم، من التمني.
2 ـ المحبة:
المعنى الثاني: الودّ ؛ بمعنى المحبة، كما في قوله تعالى: ” لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ” [المجادلة:22].
هذا المعنى في هذه الآية ينقلنا إلى ما يسمى بالولاء والبراء، فالمؤمن الصادق بل من لوازم إيمانه أنه يوالي المؤمنين، ولو كانوا فقراء، وضعفاء، والمؤمن الصادق من لوازم إيمانه أنه يتبرأ من الكفرة، والضالين، والمشركين ولو كانوا أقوياء وأغنياء، إلى من تنتمي أنت أيها المؤمن؟ تنتمي إلى أهل الإيمان.
إذاً المعنى الثاني من معاني الودّ الولاء والبراء أي الحب ” لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ “.
3 ـ المعية والمرافقة والمصاحبة:
والودّ أيضاً في اللغة قد يأتي على معنى المعية، والمرافقة، والمصاحبة، هذا معنى ثالث، كلازم من لوزام المحبة، إن أحببت إنساناً راقبته، صاحبته، كنت معه، كنت كظله، من المعاني الفرعية الناتجة عن الحب: الملازمة.
فلذلك المعنى دقيق جداً ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر: ” أن رجلاً من الأعراب لقيه بطريق مكة، فسلم عليه عبد الله، وحمله على حمار كان يركبه، وأعطاه عمامة كانت على رأسه، فقال ابن دينار له: أصلحك الله إنهم الأعراب، وإنهم يرضون باليسير، فقال عبد الله: إن أبا هذا كان وداً لعمر بن الخطاب كان ملازماً له، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّ من أبَرِّ البرِّ صِلَةَ الرجل أهلَ وُدِّ أبيه ” [مسلم].
من فضل الله على الإنسان أنه يسمح له بأن يكون باراً بوالديه بعد موتهما:
مرة شخص سأل النبي عليه الصلاة والسلام وقد توفي والداه، ماذا بقي عليّ من برّ والدي بعد موتهما؟ قال: أربعة أشياء، أن تدعو لهما، الدعاء أثناء صلاة الجنازة، وأن تستغفر لهما، ربي اغفر لي ولوالدي، وأن تنفذ عهدهما، قبل أن يموت الأب عهد إلى أولاده شيئاً، وأن تنفذ عهدهما، وأن تصل صديقهما، وأن تصل الرحم التي لم يكن لها صلة إلا بهما، فهذا الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما.
أي من فضل الله عز وجل أتاح الله للابن أن يكون باراً بوالديه بعد موتهما حينما يصل الرجل أهل ود أبيه، حينما ينفذ عهد أبيه، حينما يصلي على أبيه صلاة الجنازة، حينما يدعو له في كل صلاة، هذه من مسلكيات البر بعد الموت.
الله عز وجل ودود يحب رسله وأولياءه ويتودد إليهم بالنعم التي أحاطهم بها.