الخرطوم=^المندرة نيوز^
المندرة نيوز ينشر نتيجة استطلاع لمركز الخبراء العرب للخدمات الصحفيه ودراسات الرأي العام حول العودة إلى العاصمة الخرطوم بعد تحريرها 2025/7/15م،
في أعقاب تحرير العاصمة الخرطوم وإعلان انتهاء العمليات العسكرية بها ،يدور نقاش واسع حول مدى استعداد المواطنين ومؤسسات الدولة للعودة إلى العاصمة، في ظل نقص بعض الخدمات وغياب البنى التحتية الحيوية مثل المياه، الكهرباء، التعليم، الصحة، والمطار.
هدف الاستطلاع إلى قياس اتجاهات الرأي العام بشأن العودة إلى الخرطوم، والمعوقات، والتصورات المرتبطة بإمكانية استئناف العمل الحكومي والخدمي في المدينة، وتقييم دور الإعلام، والمؤثرات السياسية والإدارية في عملية العودة.
ظل الاستطلاع مفتوحا لمدة 5 ايام شارك فيه 58.714 مشاركا من المقيمين بعدد من المدن الرئيسية وإعداد مقدرة من النازحين داخل السودان بالولايات الأخرى وعدد مقدر من السودانين بدول المهجر من مصر والخليج الغربي ورواندا ويوغندا وكينيا وأوروبا وآسيا وامريكا كانت اتجاهات الرأي العام فيه كما يلي :-
1/في مفاجأة مدهشة تعكس توقًا وطنيًا صادقًا، أيد 92% من المشاركين في الاستطلاع عودة الوزارات والمؤسسات القومية للعمل من الخرطوم بعد تحريرها، مما يؤكد الرغبة الجارفة في استعادة رمزية الدولة من قلب العاصمة، مقابل 5.6% قالوا “لا”، و1.9% مترددون، و0.5% فقط لا يعرفون، وهي نسب ضئيلة تعكس شبه إجماع شعبي ملفت.
2/وعند سؤال المواطنين عن مدى إمكانية العودة الفعلية للعاصمة في الوقت الراهن، رأى 50.8% أن العودة ممكنة، وهي نسبة تدعو للتفاؤل رغم التحديات، بينما يرى 34.8% أن العودة ممكنة جزئيًا فقط، في حين عبّر 13.8% عن قناعتهم بأن الوضع لا يسمح بذلك، و0.6% فقط لم يحددوا موقفهم، مما يشير إلى وعي واقعي بالظروف، لكنه لا يخفي تطلعًا واضحًا للعودة.
3/ وعن أبرز العوائق التي تعترض طريق العودة، جاءت المفاجأة في أن غياب الخدمات الأساسية تصدر بنسبة 86.6%، متفوقًا على انعدام الأمن الذي أشار إليه 51.5% فقط، بينما رأى 28.5% أن الدمار الواسع للمرافق يمثل عائقًا حقيقيًا، و18.6% يخشون من عودة القتال، و7.7% قدموا أسبابًا أخرى، وهو ما يؤكد أن معركة العودة ليست أمنية فقط، بل خدمية في المقام الأول، في مفارقة لافتة تدعو للتأمل.
4/الغريب أن 39.5% من المشاركين لا يعلمون إن كانت هناك خطة حكومية لإعادة الإعمار، و36.6% يرون أنه لا توجد خطة أصلًا، بينما 23.9% فقط أكدوا وجودها، مما يفتح باب التساؤلات المحيرة: هل تعاني الحكومة من غياب الرؤية؟ أم أنها لا تجيد التواصل مع مواطنيها في أهم الملفات المصيرية؟
5/تقييم مستوى الخدمات في الخرطوم جاء صادمًا، إذ وصف 48.2% الخدمات بأنها ضعيفة جدًا، و11.1% قالوا إنها غير متوفرة تمامًا، مقابل 34.5% اعتبروها متوسطة، و6.3% فقط قالوا إنها جيدة، وهي نسب تعكس واقعًا بائسًا يجعل من العودة حلمًا معلقًا على أسلاك الكهرباء المقطوعة وأنابيب المياه المتهالكة.
6/ وفي تقييم جدية موقف الحكومة الانتقالية من عودة الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية إلى الخرطوم، اعتبر 46.6% أن موقفها متردد وغير واضح، بينما رأى 37.6% أنه جاد وإيجابي، و8.2% وصفوه بالسلبي والمعرقل، و7.6% لا يعلمون، وهي نتائج تشير إلى صورة ضبابية لا تطمئن، لكنها في الوقت نفسه تتيح للحكومة فرصة لإعادة بناء الثقة.
7/ المثير للقلق أن 59.5% من المشاركين يتهمون بعض الأطراف السياسية أنها تعرقل عمليات عودة الجهاز التنفيذي لأسباب سياسية، و22.6% قالوا “ربما”، و10% فقط نفوا ذلك، بينما 7.9% لم يحددوا موقفهم، وهو ما يسلط الضوء على صراع سياسي مكتوم يهدد مشروع العودة، ويستلزم حسمًا واضحًا من السلطات الرسمية.
8/ وعند سؤالهم عن استمرار الحكومة في بورتسودان، وعلاقته بأضعاف هيبة الدولة أجاب 55.8% بأنه يُضعف هيبة الدولة، و23.8% قالوا “إلى حد ما”، بينما 20.4% فقط قالوا إنه لا يضعفها، وهي أرقام تؤكد أن العواصم لا تُنقل، وأن الرمزية السيادية لا يمكن أن تُستبدل.
9/ حول أثر تعرّض مطار الخرطوم لأضرار جسيمة، وعلاقته بامكانية تعزيز العودة الحكومية أكد 47.4% أن ذلك يؤثر بشكل كبير على عودة الحياة، و38.2% قالوا إنه يؤثر جزئيًا، في حين 13.7% فقط رأوا أن التأثير محدود، و0.7% لا يعلمون، مما يعيد المطار إلى الواجهة كرمز للسيادة وشرط أساسي للنشاط بالعاصمة وتحقيق الانطلاقة الحقيقية.
10/وعن الموارد الماليةالكافية لإعادة إعمار العاصمة الخرطوم من جديد ، رأى 44.6% أن الدولة تملك جزءًا منها وتحتاج إلى دعم خارجي، و35.3% قالوا إنها غير كافية، بينما 9.5% فقط قالوا إنها متوفرة، و10.6% لا يعلمون، وهي نتائج تكشف أن التمويل أحد العقد الجوهرية في معركة إعادة الإعمار، وأن الدولة لن تتمكن وحدها دون دعم داخلي وخارجي.
11وفيما يخص حكومة ولاية الخرطوم، وقدرتها المالية على إعادة الخدمات ومباشرة جوانب الاصلاح والتعمير المختلفة اعتبر 46.6% من المشاركين أنها تملك إمكانيات جزئية وتحتاج دعمًا، و33.6% قالوا إنها تحتاج دعمًا كاملًا، و11.1% فقط قالوا إنها تمتلك الكفاية، و8.7% لا يعرفون، وهي مؤشرات توضح أن العودة تحتاج إدارة قوي وتخطيط محكم ، لا مجرد قرارات مركزية.
12/ أما عن دور الإعلام، فقد وصفه 43.4% بأنه إيجابي في تشجيع العودة، بينما رأى 31.7% أنه سلبي، و13% عدّوه محايدًا، و11.9% لا يتابعون الإعلام أصلًا، وهي أرقام تعكس حالة انقسام إعلامي حادة، وتؤكد أن الكلمة قد تبني وطنًا أو تهدمه.
13/وعن دور الشائعات، قال 64.3% إن هناك جهات سياسية أو إعلامية تبثها لتعطيل العودة، و19% قالوا “ربما”، و8.5% نفوا ذلك، بينما 8.2% لا يعلمون، مما يكشف عن معركة موازية تدور خلف الشاشات وتحتاج إلى مواجهة إعلامية مضادة أكثر وعيًا واحترافًا.
14/ في ختام هذا المشهد المعقّد، تبرز نتيجة مؤلمة ومثيرة للحزن، حين أقرّت نشبة عالية من المشاركين بلغت 59.8% بأن بعض موظفي الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات المستفيدين من بقائهم في بورتسودان لا يرغبون في اعودة مؤسساتهم إلى الخرطوم، حفاظًا على امتيازاتهم ومواقعهم التي منحتها لهم الحرب، لا الكفاءة، وهي شهادة صادمة تُظهر كيف يمكن لمصالح فردية ضيقة أن تقف في وجه آمال الملايين الذين ينتظرون لحظة العودة إلى بيوتهم المحطّمة ومدارسهم المغلقة ومستشفياتهم المهجورة، بينما تنعم قلة بالراحة خلف المكاتب المكيفة بعيدًا عن صوت القصف ورائحة الرماد، وكم هو مؤلم أن تتحوّل الخرطوم، المدينة التي كانت قلب الوطن النابض، إلى بطاقة مساومة في لعبة امتيازات لا ترحم، في حين يرفض 16.3% هذا الاتهام، ويبقى 23.9% في خانة الصمت أو الحيرة، وكأنهم يشاركون الألم دون أن ينطقوا به، إنها مأساة أخلاقية قبل أن تكون إدارية، ووصمة لا تمحوها إلا إرادة وطنية تعيد الاعتبار للعاصمة، ولأهلها، وللوطن كله.