المندرة نيوز

عبدالعزيز الزبير باشا يكتب.. منصات التأثير الإعلامي السري: كيف تُصنع الأخبار الكاذبة لدفن الحقيقة في السودان؟

الخرطوم=^المندرة نيوز^
في زمن الحرب والمعلومات، لا تُطلق الرصاصات فقط من فوهات البنادق، بل من عناوين الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي. لم يعد ميدان المعركة مقتصرًا على الجغرافيا، بل صار الفضاء الرقمي مسرحًا لعمليات خداع وتضليل ممنهج، تُدار باحترافية استخباراتية عالية.

منصة “CNN” المزعومة التي نشرت “خبرًا عاجلًا” عن مقتل عبد الرحيم دقلو، النائب الفعلي لقائد ميليشيا الدعم السريع، ليست إلا نموذجًا من عشرات المنصات التي تعمل ضمن منظومات تأثير غير مرئية، هدفها تشويش الوعي، وتحويل انتباه الرأي العام، والتغطية على وقائع أكثر خطورة.

فالخبر المُفبرك الذي انتشر كالنار في الهشيم عن “مقتله في الإمارات متأثرًا بغارة طائرة مسيرة في دارفور”، لم يكن سوى غلافًا ذكيًا لأمرين متوازيين:
1. طمس أخبار حقيقية تتسرب من داخل دارفور ومحيطها، كالمقطع المُوثّق الذي نشرته حسابات ميدانية على منصة X، يظهر ما يُعتقد أنه عمليات تصفية ميدانية ودفن جماعي لضحايا جرائم حرب ترتكبها ميليشيا الدعم السريع في المناطق المنكوبة.
2. امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد في وجه عبد الرحيم دقلو، المسؤول المباشر عن معظم الجرائم المرتكبة في دارفور والخرطوم وكردفان.

من يقف وراء هذه العمليات الإعلامية؟ ليست مجرد حسابات وهمية أو أفراد متحمسين، بل شبكات مترابطة من شركات علاقات عامة، وأجهزة استخبارات إقليمية، ومؤسسات إعلامية تشارك في ما يُعرف بـ” *هندسة الإدراك العام* ” ( *Perception Engineering* ). هؤلاء لا ينقلون الحقيقة، بل يصنعون واقعًا بديلًا يخدم أجندات سياسية وأمنية.

الخبر المفبرك عن مقتل دقلو كان منسوبًا زيفًا إلى شبكة CNN، باسمَي صحفيَين غير موجودين على الإطلاق في سجلات الشبكة، وعنوان مصاغ بدقة نفسية ليخاطب جمهورًا يبحث عن نهاية درامية لواحد من أشرس مجرمي الحرب في السودان. هذا النوع من الأخبار الكاذبة يُنتج عادة عبر برامج تصميم أو قوالب جاهزة تُستخدم من قبل وحدات إلكترونية متخصصة، أغلبها يعمل انطلاقًا من الإمارات أو عبر وسطاء في دول إفريقية.

وفي الوقت الذي تتناقل فيه الصفحات السودانية والعربية ذلك الخبر، يتم دفن ما هو أخطر: مشاهد دامغة لجثث ضحايا مدنيين، تسحب وتُكدّس في حفر جماعية، كما في الفيديو الذي نشره حساب @alhkikanet، دون أن تلتفت له المنصات الإخبارية الكبرى، أو حتى تذكره وكالات الأنباء الغربية.

السؤال الأخطر هنا ليس فقط: من يُفبرك هذه الأخبار؟ بل: من يمولها؟ ومن المستفيد من بقاء عبد الرحيم دقلو خارج دائرة المساءلة، في ظل تصاعد دعوات تصنيفه كـ” *مجرم حرب* ” وملاحقته دوليًا؟

إن معركة الوعي لا تقل خطورة عن معركة البنادق، وإن سقوط الحقيقة تحت ركام الأكاذيب هو هدف استراتيجي في الحروب الحديثة. ولذلك، يجب على الصحفيين، والباحثين، والناشطين السودانيين أن يطوّروا آليات تحقق وتحليل مضادة، ويُقيموا شبكات كشف وتفنيد تستند إلى المهنية، والربط بين المصادر، وتتبع أنماط النشر والتوقيت والسياق.

ما حدث مع شائعة “مقتل دقلو” ليس حادثًا معزولًا، بل جزء من حرب إعلامية خفية، تستخدم الكذب كأداة، والتشتيت كتكتيك، والخوف كوقود…

*السودان أولا و أخيراً…*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا…*
*4/8/2025*

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *