الخرطوم=^المندرة نيوز^
أصدر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، في اجتماعه رقم 1293 المنعقد بتاريخ 4 أغسطس 2025م بيانًا مهمًا حول تطورات الوضع في السودان، جاء بعد ثلاثة أيام من المشاورات والمداخلات المكثفة لعدد من الأطراف الإفريقية والدولية المعنية بالشأن السوداني. وقد حمل البيان إشارات إيجابية تؤكد على حضور الملف السوداني في صدارة الأولويات القارية، إلا أنه تضمّن في الوقت ذاته بعض المقاربات التي تستدعي وقفة تقييم موضوعية، لضمان انحيازه إلى واقع الأزمة السودانية كما يعيشه شعبها، لا كما تراه التوازنات الدبلوماسية العابرة…
أولًا: نقاط إيجابية تستحق التقدير
يبدي السودان، حكومة وشعبًا، تقديره لعدد من المواقف الواردة في البيان، والتي تعبّر عن فهم متقدم لحقائق الأزمة الراهنة، وتؤسس لمرحلة جديدة من الشراكة الإفريقية الداعمة للاستقرار…
أبرز تلك النقاط كان الترحيب بتعيين الدكتور كامل الطيب إدريس رئيسًا لملجس الوزراء وتشكيل الحكومة المدنية، وهو موقف يُقرأ كإقرار واضح بشرعية المسار الوطني الذي أفضى إلى هذه الحكومة، ويعكس التزامًا من الاتحاد بدعم العودة إلى المؤسسات الدستورية…
كذلك، الإدانة الصريحة لمحاولة إنشاء “حكومة موازية” من قبل ما يُعرف بتحالف “تأسيس السودان”، تمثل موقفًا مهمًا في رفض محاولات تفكيك الدولة من خارج أطرها القانونية، لا سيما أن هذه الخطوة جاءت بقيادة ميليشيا مسلحة أثبتت التجربة أنها لا تنتمي إلى مشروع بناء الدولة، بل إلى مشروع الفوضى…
أما القلق الذي عبّر عنه المجلس إزاء الوضع الإنساني المتدهور في مدينة الفاشر، والدعوة الصريحة إلى رفع الحصار، فهي مواقف إنسانية ضرورية يجب أن تُترجم إلى إجراءات عاجلة، خاصة وأن المدنيين في الفاشر يدفعون ثمنًا باهظًا نتيجة ممارسات عسكرية غير مسؤولة ترتكبها جماعات خارجة عن سلطة الدولة…
وفي السياق نفسه، فإن الإشادة بخارطة الطريق التي قدمها *فخامة رئيس مجلس السيادة الانتقالي* تعكس إدراكًا متزايدًا بأن الحل السياسي يجب أن ينطلق من المبادرات الوطنية الجادة، لا من محاولات فرض حلول فوقية مفروضة من الخارج…
*ثانيًا: ملاحظات بنّاءة على مضمون البيان وتوازناته*
وعلى الرغم من التقدير العام للبيان، فإن عدداً من المقاطع فيه تُثير تساؤلات مشروعة حول دقة التوصيف وفعالية الصياغة، بما يستدعي لفت النظر إليها بروح الشراكة لا التصعيد.
1. ضرورة التمييز بين المؤسسات الشرعية والمجموعات الخارجة عن القانون
من المهم أن تُراعي البيانات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي التفريق الواضح بين القوات المسلحة السودانية، باعتبارها المؤسسة النظامية المكلفة دستوريًا بحماية وحدة البلاد وسلامة أراضيها، وبين الميليشيا المسلحة التي تمردت على الدولة، وتورطت في انتهاكات موثقة في العاصمة والولايات، بينها القتل الجماعي، الإخفاء القسري، واستخدام المدنيين كدروع بشرية. أي توازن لغوي يوحي بالمساواة بين الطرفين، وإن عن غير قصد، يُضعف موقف الاتحاد الأخلاقي، ويشوّش على رسالته الداعمة للسلم والاستقرار.
2. الدعوة إلى وقف إطلاق النار بحاجة إلى ربطها بضمانات…
إن الدعوة إلى وقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار تبدو في ظاهرها منسجمة مع منطق التهدئة، إلا أنها تتجاهل التجارب السابقة التي أظهرت أن بعض الأطراف تستخدم هذه الدعوات كوسيلة لإعادة التموضع أو كسب الوقت. المطلوب هو ربط أي وقف لإطلاق النار بخطوات عملية تضمن نزع سلاح الميليشيا وخروجها من المدن، وإعادة السيطرة للدولة، وإلا فإن المسار السياسي سيفتقد إلى أرضية حقيقية للتقدم….
3. الإشارة إلى التدخلات الخارجية تحتاج إلى وضوح أكبر..
يبدي السودان ترحيبه بإدانة المجلس للتدخلات الخارجية في النزاع، إلا أن البيان افتقر إلى الوضوح في تسمية الجهات المتورطة، رغم وجود أدلة دامغة وموثقة حول دعم خارجي مباشر تلقته الميليشيا من أطراف إقليمية، وخاصة عبر التمويل، التسليح، والدعم الإعلامي. إن غياب التسمية يُفقد الإدانة قوتها، ويعطي انطباعًا بعدم الجدية في معالجة جذور الأزمة.
4. الحوار الوطني لا يمكن أن يتجاوز مرتكزات العدالة والسيادة..
لا خلاف على أن الحل في السودان يجب أن يكون سودانيًا وشاملًا، إلا أن الشمول لا يعني إعادة تأهيل من تورطوا في تدمير النسيج الوطني. فالحوار الحقيقي يجب أن يُبنى على أسس العدالة، والمساءلة، واحترام إرادة الشعب، لا على حساب دماء الضحايا. كما يجب أن يكون بقيادة مؤسسات الدولة الشرعية، لا بمشاركة من يسعى إلى تقويضها…
ثالثًا: نحو مقاربة إفريقية أكثر اتساقًا مع الواقع السوداني
من أجل الوصول إلى حل دائم ومستقر، فإن السودان يدعو إلى تعزيز دور الاتحاد الإفريقي كمظلة جامعة، بشرط أن يكون هذا الدور قائمًا على الحياد المهني، والاحترام الكامل لسيادة السودان وخصوصياته الوطنية. كما يؤكد على أهمية التنسيق الوثيق بين الاتحاد، الإيقاد، الجامعة العربية، والأمم المتحدة، من خلال آلية موحدة تُنهي تشتت المبادرات، وتمنع تكرار التجارب غير المجدية التي أعاقت الحلول في السابق.
خاتمة
إن الشعب السوداني، الذي عانى كثيرًا خلال العامين الماضيين، يعلّق آمالًا حقيقية على دور إفريقي أكثر حسمًا، لا يساوي بين الدولة والمتمرد، ولا بين الجلاد والضحية، بل يُساند جهود السودانيين لبناء وطنهم بأيديهم، عبر دولة القانون، والحكم المدني، والسيادة الوطنية الكاملة….
وإذ يرحّب السودان بالبيان كخطوة في الاتجاه الصحيح، فإنه يعبّر في الوقت ذاته عن أمله في أن تتطور البيانات القادمة لتصبح أكثر دقة، ووضوحًا، وانحيازًا لحقائق الواقع على الأرض، لا لتوازنات المصطلحات…
*وطن و مؤسسات…*
*السودان أولا و أخيراً….*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا*