الخرطوم=^المندرة نيوز^
على امتداد القارة الإفريقية، ظلّت القبيلة إطاراً اجتماعياً طبيعياً للتكافل والهوية. لكنها حين تُسقى بالسلاح وتُترك بلا دولة حامية، تتحول سريعاً إلى أداة للفتك والتدمير. هذا درسٌ يعرفه المتابعون لتجارب الصومال، رواندا، ومالي. واليوم يُعاد المشهد في السودان، لكن بنسخة أكثر خطورة: ميليشيا الدعم السريع، التي لم تكتفِ بتغذية الانقسام القبلي، بل حوّلته إلى أيديولوجيا للعنف والإرهاب.
في الأسابيع الأخيرة، ضجّت وسائل التواصل بمقاطع مروّعة صوّرها عناصر الدعم السريع أنفسهم، توثّق إعدامات ميدانية بحق أسرى ومختطفين. بعض الضحايا كانوا من قبائل تُعتبر “ *منافسة* ” داخل بنية الميليشيا نفسها، والبعض الآخر من أبناء مناطق واقعة تحت سيطرتها. الكاميرا هنا لا تكذب: رجال يُسحبون مكبّلين، يركعون أمام فوهات البنادق، ثم تنهال الرصاصات وسط صيحات تشفٍّ قبلية صادمة…
هذه المشاهد ليست تجاوزات فردية، بل تكشف جوهر الدينامية التي تحكم سلوك الدعم السريع:
• تسليح العصبية القبلية وتحويلها إلى أداة حرب.
• إدارة الخوف عبر الرعب الموثَّق: تصوير الإعدامات وبثّها سلاح بحد ذاته.
• توظيف الانقسام الأهلي كأداة سياسية لضمان السيطرة على الأرض والموارد.
من الترويع القبلي إلى الإرهاب الممنهج
المعايير الدولية واضحة: أي كيان يستخدم الخطف، الإعدام خارج القانون، والترويع المنهجي للمدنيين لتحقيق أهداف سياسية أو إثنية، يقع ضمن تعريف الإرهاب. هذه ليست أوصافاً عامة، بل توصيف دقيق لما تفعله ميليشيا الدعم السريع يومياً.
لقد عرفنا عبر التاريخ القريب تنظيمات مسلّحة قامت على الأدلجة الدينية أو الانتماء الإثني، مثل جيش الرب في أوغندا أو الميليشيات الهوتو في رواندا. المجتمع الدولي لم يتردّد حينها في وصفها بما هي عليه: تنظيمات إرهابية. فما الذي يجعل الدعم السريع استثناءً؟
التواطؤ بالصمت
التردّد الدولي في تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية لا يُفسَّر إلا كنوع من التواطؤ بالصمت. هذه الميليشيا ليست مجرد “ *طرف في نزاع داخلي* ” كما يحلو لبعض الدبلوماسيين أن يصفوها، بل مشروع دموي يتجاوز حدود السودان، يهدد الأمن الإقليمي، ويعيد إنتاج أسوأ كوابيس إفريقيا: حين تتحول القبيلة إلى رصاصة، وتصبح الكاميرا أداة لترويج الإرهاب…
الخلاصة: تسمية الأشياء بأسمائها
لم يعد هناك متسع للمناورة اللغوية أو للتوصيفات الرمادية. الدعم السريع يمارس الإرهاب الممنهج، ويعلن عن ذلك بالفيديو والصوت. إنّ عدم تصنيفه كمنظمة إرهابية يفتح الباب لمزيد من المجازر، ويبعث رسالة خاطئة مفادها أنّ الإفلات من العقاب ممكن طالما وُصفت الجرائم بـ” *النزاع الأهلي* ”..
السودان اليوم يدفع الثمن، لكن الغد لن يكون بعيداً عن الإقليم كلّه إذا لم يُتخذ القرار الشجاع:
الدعم السريع تنظيم إرهابي — ويجب أن يُسمى كذلك في القوانين والقرارات الدولية.
*وطن ومؤسسات…*
*السودان أولاً وأخيراً…*
*د. عبدالعزيز الزبير باشا*
*20/8/2025*