الخرطوم=^المندرة نيوز^
في مشهد يزداد اضطرابًا وتعقيدًا، تبدو نهاية مليشيات الدعم السريع (الجنجويد)، بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”، أقرب من أي وقت مضى. فبعد أكثر من عامين على إشعالها لحرب مدمرة داخل السودان، بدأت معالم تفكك هذه المليشيا تتشكل بوضوح في ظل انقسامات داخلية، وانهيارات ميدانية، وفقدان للشرعية السياسية والعسكرية.
الانهيار العسكري في قلب المعركة
الضربات التي تلقتها مليشيا الدعم السريع خلال الأشهر الماضية كانت قاسية ومؤثرة. طُردت من معاقلها الحيوية في الخرطوم، والجزيرة، ومنطقة الصالحة بأم درمان، حيث فقدت المليشيا ما كانت تعتبره حصونًا منيعة. هذا التراجع العسكري ليس مجرد انسحاب تكتيكي، بل هو انعكاس لانهيار حقيقي في صفوفها، بعد أن فقدت عنصر المفاجأة والسيطرة التي بدأت بها تمردها.
تحالفات متصدعة وانقسامات داخلية
في محاولة لتدارك خسائرها، لجأت قيادة المليشيا إلى تشكيل تحالف سياسي أُطلق عليه اسم “تأسيس”، وأعلنت من خلاله حكومة أسموها “حكومة السلام”. لكن هذه الخطوة قوبلت برفض واسع حتى من داخل مكونات الدعم السريع نفسها، حيث أعلن عدد من القادة العسكريين والمدنيين المقربين منهم رفضهم لهذا الكيان، متهمين القيادة بتهميشهم وتجاهلهم في ترتيبات التحالف.
وفي نيالا، إحدى أهم مناطق تواجدهم، تتصاعد التوترات بين فصائل الدعم السريع المختلفة، وسط مؤشرات خطيرة على احتمال اندلاع اشتباكات داخلية قد تعجل بانهيار التنظيم من الداخل.
غياب المشروع السياسي
تفتقر مليشيات الجنجويد لأي رؤية سياسية أو مشروع وطني جامع. فهي ليست حزبًا سياسيًا، ولا مؤسسة رسمية، بل مجرد تجمع مسلح يتكون من مرتزقة ومجموعات قبلية، تم تجنيدها من داخل وخارج السودان، بدوافع النهب والانتقام وليس بدوافع وطنية.
هذا الغياب الكامل لهوية سياسية واضحة ساهم في فقدانها للحاضنة الشعبية، حتى بين بعض مناصريها الذين بدأوا ينسحبون بهدوء مع تصاعد الفشل.
انشقاقات مرتقبة وانضمامات للجيش
مع تراجع القوة العسكرية، وانكشاف الغطاء السياسي، يتوقع مراقبون أن تشهد الفترة المقبلة موجات واسعة من الانشقاقات داخل الدعم السريع، قد ينضم بموجبها كثير من المقاتلين إلى صفوف الجيش السوداني. فالعناصر التي التحقت بالمليشيا لأسباب مادية أو ظرفية، بدأت تراجع مواقفها، خاصة مع غياب الأمل في تحقيق نصر أو حتى الحفاظ على الوضع الراهن.
نهاية محتومة
الواقع على الأرض يؤكد أن مليشيا الدعم السريع قد استنفدت أدواتها وقدراتها. التحالفات التي بنتها تتآكل، والتمويل الخارجي يتضاءل، والانقسام الداخلي يهدد بتفكيكها من الداخل. إن ما تشهده هذه المليشيا اليوم هو لحظة “الانكشاف الاستراتيجي”، حيث تسقط الشعارات، وتظهر الحقيقة عارية: مليشيا لا تملك مشروعًا ولا مستقبلًا.
نهاية الجنجويد، كما يبدو، ليست مجرد رغبة شعبية أو سيناريو محتمل، بل نتيجة حتمية لمسار خاطئ تبنته منذ لحظة انطلاقها. وإذا ما استمرت هذه التطورات بنفس الوتيرة، فإن الأيام القادمة قد تحمل معها الإعلان غير الرسمي لنهاية واحدة من أخطر المليشيات التي عرفها السودان في تاريخه الحديث.
10/أغسطس/2025
