المندرة نيوز

المنحة الدولية لتنمية الريف السوداني.. في جه الحقيقة_ إبراهيم شقلاوي يكتب

الخرطوم=^المندرة نيوز^
يفتح تصريح وزير المالية، د. جبريل إبراهيم، نافذة أمل في المشهد السوداني المتطلع للنهوض ، حين أعلن الاسبوع الماضي بدء الإجراءات العملية لمعالجة متأخرات السودان لدى الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد)، بما يسمح باستعادة التمويل الدولي المخصص لصغار المزارعين والرعاة في الولايات.

هذا التصريح يحمل بشريات ينتظرها اهلنا في الريف لذلك هذه الإشارات، تعكس إدراكًا متزايدًا لدى الحكومة بأن التنمية الريفية أصبحت أولوية وجودية تتعلق بالأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي في آنٍ واحد.

المنحة الدولية التي وعد بها الصندوق، وقيمتها 47 مليون دولار، تمثل رسالة دولية واضحة بأن العودة إلى مسار الدعم التنموي ممكنة، إذا ما استوفت الحكومة السودانية الحد الأدنى من شروط الاستقرار المؤسسي والمالي.

غير أن هذا الدعم لا يمكن فصله عن السياق السياسي الذي ينتظر منا تجاوز المرارات برغم الموازين المعقدة للحرب التي تستوجب العدالة الانتقالية ، ومجابهة التدخلات الإقليمية، وتعزيز منظومة الدولة في العديد من الأقاليم المنتجة.

لذلك تقف التنمية الريفية كرهان وطني حقيقي. فالريف السوداني لم يعد مجرد فضاء للإنتاج الزراعي، بل تحوّل إلى ساحة صراع بين مشروعين: مشروع الدولة الوطنية الساعية إلى الاستقرار والتنمية والنهوض، ومشروع الفوضى المسلحة الذي تقوده مليشيا الدعم السريع، والتي حاولت في 15 أبريل 2023 تنفيذ انقلاب دموي للسيطرة على الحكم، مدعومة بامتدادات داخلية وقوى إقليمية تسعى لإعادة تشكيل الخريطة السياسية في بلادنا .

هذه الحرب لم تكتف باستهداف العاصمة ، بل دمّرت بنية الإنتاج في عدد من الولايات السودانية ، وحرمت آلاف الأسر من مصدر رزقها، وأخرجت مئات المجتمعات الزراعية من دائرة الفعل التنموي الاقتصادي.

لقد كانت الحرب، عمليًا، انقلابًا مزدوجًا: على مؤسسات الدولة، وعلى قدرة البلاد على إنتاج غذائها. فالمشاريع الصغيرة في الريف التي اسستها مشروعات حصاد المياه ، و قنوات الري، الطرق الزراعية، الجمعيات التعاونية، كلها أصبحت ضحايا مباشرة للمعارك، إما بالتخريب أو بالإهمال القسري في جانب الصيانة أو بالنهب والتهجير.

وفي ظل هذه الكارثة التنموية ، فإن ربط التنمية الريفية بالمشروعات يمثل ضرورة سياسية لإعادة تثبيت الدولة من الأطراف نحو المركز. لا يمكن تصور استقرار سياسي حقيقي في السودان دون تمكين صغار المنتجين في الريف من أدوات البقاء والإنتاج، من الأرض إلى التمويل، ومن الخدمات إلى البنية الأساسية الي الارشاد الزراعي .

وهذا لا يتحقق إلا من خلال سياسات ذكية نتطلع ان تمضي فيها حكومة الأمل ، تُدمج فيها العدالة الاجتماعية مع التوزيع المتوازن للموارد، وتُربط فيها جهود الإصلاح المالي بمشروع أوسع لإعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمواطن في المناطق الريفية .

إلى جانب تحديات الحرب، يواجه الريف السوداني أيضًا آثار التغيرات المناخية، التي تسببت في موجات جفاف مدمرة وفيضانات متكررة، دمرت المحاصيل، وأضعفت الثروة الحيوانية، ودفعت كثيرًا من المجتمعات إلى حافة الانهيار .

ومع هذا، تبقى الإمكانيات كامنة، إذا ما تم توظيف التمويل الدولي بشكل فعّال، وتوجيهه نحو مشروعات إنتاج حقيقي، بدلاً من هدره في البيروقراطية أو التسييس. إن تأهيل شبكات الري، وتحفيز الزراعة المستدامة، ودعم المرأة الريفية، وتوسيع شبكات التوزيع والتخزين، كلها مدخلات ضرورية لتحويل التمويل الخارجي إلى طاقة منتجة تنعكس على حياة الناس بشكل مباشر.

ولذلك، فإن حكومة الأمل مطالَبة بأن تتجاوز الدور التنفيذي التقليدي إلى أداء فاعل ، يعيد تعريف التنمية كأداة مقاومة، ويحوّل الريف من ضحية للنزاع إلى شريك في بناء السلام. ومن دون هذا التحول، ستبقى مشاريع الدعم والمساعدات في دائرة التكرار العقيم، بينما يظل الريف حبيس الهشاشة والاحتمالات ، ويتحول الأمن الغذائي من غاية وطنية إلى أزمة دائمة.

عليه وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة فإن ما تطرحه حكومة الأمل من خطط في هذا السياق لن يُكتب له النجاح ما لم يكن مقرونًا بإرادة سياسية صلبة، تتجاوز الحسابات الضيقة، وتخوض معركة التنمية الريفية باعتبارها معركة وطنية . ففي لحظة الانقسام الوطني، تصبح الأرض، والماء، والبذور، والحقول، أدوات مقاومة وطنية حقيقية ، وبهذا الفهم، يجب ان نؤسس للمرحلة القادمة مرحلة النهوض ثم الانطلاق.
دمتم بخير وعافية
السبت 13 سبتمبر 2025م

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *