الخرطوم=^المندرة نيوز^
يشهد السودان هذا العام تراجعًا غير مسبوق في إقبال الطلاب على التقديم للجامعات، وهو أمر يعكس أزمة أعمق من مجرد انخفاض في الأعداد أو ضعف في الإقبال، بل يرتبط بجملة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة.
أول هذه الأسباب يتمثل في الوضع الاقتصادي المتدهور الذي أنهك الأسر السودانية بعد الحرب الأخيرة. ارتفاع الرسوم الدراسية بصورة مضطردة، سواء في الجامعات الحكومية أو الخاصة، جعل التعليم العالي عبئًا ثقيلًا على كاهل الأسر ذات الدخل المحدود. حتى الطلاب المتفوقون باتوا عاجزين عن دفع رسوم التسجيل أو استكمال متطلبات القبول.
السبب الثاني هو انهيار البنية التحتية التعليمية بسبب الحرب والنزاعات المسلحة. أُغلقت جامعات كثيرة أو تضررت مبانيها ومكتباتها ومعاملها، كما هاجر عدد كبير من الأساتذة والخبراء الأكاديميين، ما انعكس سلبًا على جودة التعليم وأفقد الجامعات جاذبيتها.
أما السبب الثالث فيتعلق بـ انعدام الاستقرار الأمني والسياسي؛ فالكثير من الطلاب نزحوا داخليًا أو لجأوا إلى دول الجوار بحثًا عن الأمن أو فرص تعليمية أفضل. هذا النزوح أوجد فجوة بين الطلاب ومؤسسات التعليم الوطني، وأدى إلى تحويل وجهتهم نحو الخارج، رغم صعوبة أوضاعهم المعيشية.
إضافة إلى ذلك، هناك أزمة ثقة في المستقبل الوظيفي؛ فالشباب السوداني يرى أن الشهادة الجامعية لم تعد تضمن وظيفة أو استقرارًا اقتصاديًا. البطالة وسط الخريجين بلغت نسبًا غير مسبوقة، ما جعل كثيرًا من الطلاب يفكرون في العمل الحر أو الهجرة بدلًا من الجلوس في قاعات المحاضرات لسنوات طويلة دون ضمان عائد مستقبلي.
كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والهجرة الرقمية دورًا في رفع وعي الطلاب ببدائل التعليم عن بُعد والمنح الخارجية، فباتت الجامعات السودانية خيارًا أقل جذبًا مقارنة بفرص أخرى قد تكون أكثر جودة وأقل تكلفة.
أمام هذا الواقع المقلق، يصبح التدخل العاجل ضرورة وطنية وليس خيارًا. أولى الخطوات تتمثل في إعادة هيكلة الرسوم الدراسية ووضع برامج دعم ومنح حكومية أو أهلية موجهة للطلاب ذوي الدخل المحدود، بما يضمن عدم حرمانهم من التعليم الجامعي. كما يجب ترميم الجامعات المتضررة وتوفير بيئة تعليمية آمنة وحديثة، مع إعادة استقطاب الكفاءات الأكاديمية المهاجرة عبر حوافز مناسبة.
إضافة إلى ذلك، يمكن للدولة تبني سياسات لتشجيع التوظيف والربط بين الجامعات وسوق العمل عبر برامج تدريبية وشراكات مع القطاع الخاص، بما يعيد الثقة في جدوى التعليم العالي. كما يجب الاستثمار في التعليم التقني والمهني كخيار موازٍ للجامعة، لتوسيع فرص الشباب وزيادة تنافسيتهم.
بعد اخير :
خلاصة القول، على وزارة التعليم العالي إطلاق حملات توعية وإرشاد تبين للطلاب وأسرهم فرص التعليم ومزاياه في الداخل مع التركيز على تقنين اليات فرض الرسوم الجامعية للتعليم العالى وتشجيع مبادرات إنشاء وتعزير نظم تدبير الرسوم الجامعية للطلاب الفقراء لضمان عدالة توزيع فرص الحصول على التعليم العالي، مع تشجيع مبادرات التعاون الدولي للحصول على منح وشراكات بحثية تسهم في رفع مستوى التعليم.. وأخيرًا، هذه الإجراءات، إذا ما نُفذت بإرادة سياسية صادقة، ستعيد الجامعات السودانية إلى موقعها الطبيعي كحاضنة للعلم والتنمية، وتحد من عزوف الطلاب عنها في السنوات المقبلة … و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
ال