المندرة نيوز

د. عبدالعزيز الزبير باشا يكتب.. السودان: الأمل الإستراتيجي للمنطقة

الخرطوم=^المندرة نيوز^
من يتأمل خارطة المنطقة بوعي استراتيجي بعيد النظر، يدرك أنّ السودان لم يكن يومًا مجرد دولة على الهامش، بل هو عقدة وصل جيوسياسية، وركيزة أمنية، ورافعة اقتصادية ذات وزن استثنائي. موقعه على البحر الأحمر، عمقه الإفريقي، وامتداده العربي، كلّها عناصر تجعل من السودان شريكًا لا بديل عنه في معادلات الأمن والاستقرار والازدهار.

*السودان… العمود الفقري للأمن البحري والإقليمي*

يمتلك السودان ساحلًا طويلًا على البحر الأحمر، حيث تمر أهم خطوط الملاحة الدولية، بما في ذلك شحنات الطاقة والمواد الغذائية التي يعتمد عليها العالم. السيطرة المستقرة على هذا الممر الحيوي ليست مصلحة سودانية فحسب، بل هي مصلحة مشتركة لكل الأطراف الإقليمية والدولية. إنّ أي تهديد للأمن في هذه المنطقة يعني تهديدًا مباشرًا للتجارة العالمية وللاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا على حد سواء.

*البوابة الإفريقية التي لا غنى عنها*

لا يمكن لدولة أو قوة في المنطقة أن تنشد النفاذ إلى عمق إفريقيا من دون المرور عبر السودان. فالعلاقات التاريخية، والامتداد الثقافي، والوزن السياسي للسودان في القارة يمنحه موقعًا متميزًا كجسر عبور نحو أسواق ضخمة وفرص غير محدودة. من يختار الشراكة مع الخرطوم، يفتح أمامه أبواب إفريقيا على مصراعيها، ومن يتجاهل هذه الحقيقة يخسر رصيدًا استراتيجيًا لا يعوّض.

*أين وقع الخطأ؟*

لقد أخطأت بعض الأطراف حين ظنّت أنّ بناء النفوذ في السودان يمكن أن يتحقق عبر دعم قوى موازية للدولة، أو عبر التعامل مع ميليشيات مسلّحة. هذه الحسابات الضيقة أثبتت أنها قصيرة النظر، لأنّ الميليشيا مهما بلغت قوتها لا تملك شرعية الدولة، ولا تستطيع أن توفّر استقرارًا طويل الأمد…

وفي حالة السودان، صدر المرسوم الرئاسي بحل قوات الدعم السريع، وتجريدها من أي صفة قانونية، بعدما ثبت بالأدلة أن مليشيا الدعم السريع المتمردة تورَّطت في سلسلة انتهاكات جسيمة ضد المدنيين — قتلٍ متعمد، نهبٍ ممنهج، تهجير قسري لملايين، واعتداءات جنسية منظمة — فضلاً عن استخدام الرهائن والدروع البشرية وعمليات الإخفاء القهري ضد معارضيها؛ ممارساتٌ ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وتشكّل تهديدًا وجوديًا لوحدة السودان وسلامة شعبه…

*المخاطر المترتبة على التعامل مع الميليشيات*

*التجارب واضحة:*
• أي ارتباط مع ميليشيا يعرّض الشريك الخارجي لمخاطر سياسية وقانونية، خاصة مع صدور تقارير دولية تتهم هذه التشكيلات بارتكاب انتهاكات جسيمة…
• الميليشيا بطبيعتها كيان متغير الولاءات، وقد تتحوّل من حليف إلى خصم في لحظة، مما يجعل أي استثمار سياسي أو أمني معها مقامرة غير محسوبة.
• على العكس، التعامل مع مؤسسات الدولة السودانية يوفّر استقرارًا دائمًا، ويمنح الشراكة غطاءً قانونيًا ودوليًا لا يمكن الطعن فيه.

*خريطة الطريق نحو شراكة استراتيجية مستدامة*

إذا أرادت القوى الإقليمية والدولية أن تبني علاقة متينة مع السودان، فإن الطريق واضح:
1. الالتزام الحصري بالمؤسسات الشرعية: فالدولة وحدها هي الضامن لاستمرارية أي اتفاق.
2. الربط بين التعاون الأمني والتنمية الاقتصادية: لأن الأمن لا يصمد دون تنمية، والتنمية لا تزدهر دون أمن.
3. التنسيق عبر أطر متعددة الأطراف: إشراك المنظمات الإقليمية والدول المجاورة يضمن استقرار الشراكة ويقيها من العزلة أو الانحياز.
4. الاحترام الكامل للسيادة السودانية: وهو شرط لا مساومة فيه، لأن أي تدخل يتجاوز إرادة الدولة لن يؤدي إلا إلى نتائج عكسية.

خاتمة
السودان ليس مجرد ورقة في لعبة النفوذ الإقليمي؛ السودان هو حجر الزاوية الذي يمكن أن تستند إليه المنطقة بأسرها لتحقيق أمن متوازن وازدهار مشترك. لكن هذه الفرصة التاريخية لن تتحقق عبر الطرق المختصرة أو الشراكات الملتبسة مع ميليشيات متمرّدة. الخيار الصحيح واضح: دولة قوية، مؤسسات شرعية، شراكة ندية تحترم السيادة.

من يختار السودان على هذا الأساس، يختار المستقبل. ومن يغامر بتحالفات مع كيانات هامشية، يراهن على سراب سرعان ما يتبخر….

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب