الخرطوم=^المندرة نيوز^
لم يعد الذهب في السودان مجرد معدن نفيس تتهافت عليه الأسواق، بل تحوّل إلى عصب الأمن الاقتصادي، وخط الدفاع الأخير عن سيادة الدولة في ظل التحديات الداخلية والخارجية. ومع ذلك، ما يزال التعامل معه يتسم بالعشوائية والتجريب، وكأننا نملك ترف الوقت، بينما التهريب يستنزف المخزون، وشبكات المصالح تمتد من المناجم إلى الحدود.
قبل أن نتحدث عن خطط طويلة المدى أو خارطة طريق شاملة، هناك مرحلة تأسيسية لا بد منها، أشبه بتهيئة الأرض قبل البناء. هذه المرحلة لا تقدّم حلولاً نهائية، لكنها تضمن أن أي سياسة لاحقة ستكون قائمة على معرفة دقيقة وواقع ملموس.
*أولاً،* من الضروري تحديد خط الأساس: كم نملك من الذهب؟ أين يُستخرج؟ من يسيطر عليه؟ وكم نفقد سنوياً بسبب التهريب؟ من دون هذه الأجوبة، سنظل نُدير الملف بعين مغمضة.
*ثانياً،* لا بد من تجميع البيانات المتناثرة بين المصارف، وزارة المعادن، الجمارك، والأمن الاقتصادي، في منظومة واحدة. التشتت هو البيئة المثالية للفساد والتلاعب.
*ثالثاً،* علينا أن نُحدد الأطراف الفاعلة بوضوح: المعدنون الأهليون، شركات الامتياز، التجار، وحتى الوسطاء الإقليميون. من دون رسم هذه الخريطة لن نفهم شبكة المصالح التي تتحكم في القطاع.
*رابعاً،* لا يمكن إغفال المخاطر: من التهريب العابر للحدود إلى التداخل مع النزاعات المسلحة، ومن الثغرات القانونية إلى هشاشة الرقابة.
خامساً، يستوجب الأمر مراجعة الإطار القانوني للتأكد من أنه يحمي الثروة الوطنية بدلاً من أن يُستخدم ثغرة لنهبها.
سادساً، علينا أن نُدرك أن الذهب ليس مجرد ملف اقتصادي. إنه ملف سيادي، وبالتالي يتطلب توافقاً سياسياً ومؤسسياً يشمل كل أجهزة الدولة.
*سابعاً،* أي سياسات مستقبلية ستظل حبرًا على ورق إذا لم تتوفر قدرات رقابية حقيقية: مفتشون مدرّبون، أجهزة كشف حديثة، وآليات صارمة للإنفاذ.
*وأخيراً*
من الحكمة أن نبدأ بـ تجربة ميدانية محدودة في ولاية أو منطقة إنتاج، قبل الانتقال إلى تعميم السياسات على المستوى الوطني.
لكن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها هي أن هذه المرحلة التمهيدية وحدها لن تكفي إن لم يتم التعامل مع الذهب باعتباره ملف أمن قومي بامتياز. فكل يوم يمر من دون تنظيم صارم يعني المزيد من الاستنزاف، والمزيد من التمويل للشبكات الموازية التي تتربص بالدولة.
لذلك، فإن إعلان حالة الطوارئ القصوى والتعبئة العامة لم يعد خياراً سياسياً يمكن النقاش حوله، بل ضرورة وجودية لحماية ثروات السودان وصيانة سيادته. الذهب ليس مجرد مورد اقتصادي، بل هو خط الدفاع الأخير في معركة بقاء الدولة السودانية ككيان مستقل، قادر على تمويل نفسه وحماية قراره الوطني.
إننا أمام مفترق طرق: إما أن نواصل إدارة الذهب بعقلية السوق الموازي، فنترك ثروتنا تتسرب عبر الحدود، أو نرتقي به إلى مستوى المورد السيادي الذي يستحقه، عبر تعبئة الدولة والشعب معاً تحت راية الطوارئ..
كل ذلك ينصب لمصلحة النداء الأهم و الذي يسد كل الثغرات أن فخامة الريس عليه اخذ الكتاب بقوة….