المندرة نيوز

الطيب خميس يكتب.. الشرعية الدستورية– طريق بناء الدولة

الخرطوم=^المندرة نيوز^
الدولة لا تُبنى بالغضب، بل بالحكمة.
ولا تُدار بالعاطفة، بل بالمؤسسات.
ولا تكتسب شرعيتها من لحظة ثورية، بل من عقد اجتماعي دائم يقوم على دستور يُحتكم إليه الجميع دون استثناء.
في هذا المقال، ننتقل من السؤال “لماذا لا تكفي الشرعية الثورية؟” إلى الإجابة: “ما البديل؟”
والجواب هو: الشرعية الدستورية.
ما هي الشرعية الدستورية؟
الشرعية الدستورية هي النظام الذي يُرتب العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بين المواطن والدولة، وبين السلطات نفسها.
هي الشرعية التي تستمد قوتها لا من “الحدث” بل من “القانون”.
ولا من “الماضي” بل من “الوثيقة الحاضرة” التي يُجمع عليها الشعب – أي الدستور.
وهي الشرعية الوحيدة القادرة على:
ضبط السلطة.
حماية الحقوق.
ضمان التداول السلمي للسلطة.
لماذا هي أفضل من الشرعية الثورية؟
لأنها تقوم على الوضوح.
في الشرعية الثورية، كل شيء “مزاجي” ومرتبط بـ”مزاج اللحظة”، أما في الشرعية الدستورية، فإن كل شيء مكتوب، معلوم، ويمكن مراجعته.
ولأنها تُقيد السلطة. ففي حين أن الشرعية الثورية تعطي “شيكًا مفتوحًا” لمن يقود المرحلة، فإن الشرعية الدستورية تُحدد الصلاحيات بصرامة، وتسمح بالمحاسبة.
ولأنها تحمي الثورة نفسها من التحول إلى استبداد باسم الثورة.
التحدي الأكبر: من سيقبل أن يُقيد نفسه؟
الانتقال إلى الشرعية الدستورية يعني أن القادة الثوريين سيفقدون جزءًا من سلطتهم المطلقة. وهذا صعب.
لكنه ضروري. فلا أحد يجب أن يبقى في الحكم لأن “له تاريخًا”، بل لأن له تفويضًا قانونيًا وشعبيًا محدد المدة والصلاحية.
من لا يقبل التقييد بالدستور، لا يصلح لحكم دولة، وإن قاد ألف ثورة.
تجارب ناجحة تؤكد ذلك
في جنوب أفريقيا، لم تستمر شرعية نضال مانديلا طويلًا بلا ضوابط.
انتقل النظام بسرعة إلى دستور توافقي، وانتخابات حرة.
لم يُطالب أحد بمنح الثوار حكمًا مفتوحًا، بل آمنوا أن ما قاتلوا لأجله يجب أن يُترجم إلى مؤسسات دائمة.
وكذلك في تونس بعد ثورة 2011، حين تم الانتقال من الشارع إلى قاعات الحوار الوطني، ومن شعار “الشعب يريد” إلى دستور يحمي إرادة الشعب.
ماذا نحتاج لننتقل؟
إرادة سياسية ناضجة تقبل التخلي عن الامتيازات المؤقتة.
دستور توافقي يضع الجميع على قدم المساواة.
انتخابات نزيهة تفرز شرعية جديدة غير مرتبطة بمن شارك في الثورة فقط.
تثقيف جماهيري لتوضيح الفارق بين الثورة بوصفها لحظة، والدولة بوصفها مشروعًا.
في الختام
الثورة تُسقط الظلم، لكن وحدها الشرعية الدستورية تضمن ألا يعود الظلم من جديد.
لن يكون الانتقال سهلاً، لكنه حتمي، إن أردنا دولة تقف على قدميها، لا على حبال الشعار.

(“هذا المقال جزء من سلسلة بعنوان: لابُد من الخروج من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *