الخرطوم=^المندرة نيوز^
في كل مرحلة انتقالية، تأتي لحظة لا مفر منها، لحظة يسأل فيها القائد نفسه:
“هل أنا ما زلت قائد ثورة؟ أم أصبحت رجل دولة؟”
وهذا السؤال ليس بسيطًا، بل جوهري، ويحدد مصير الشعوب والثورات.
فالقائد الذي لا يُجيب عليه بصدق، يظل معلقًا في الفراغ، لا هو قادر على أن يُحدث تغييرًا ثوريًا، ولا هو ينجح في بناء دولة مستقرة.
وهكذا يضيع الناس، وتضيع البلاد.
بين الذاكرة والدور الجديد
لا أحد يُنكر حق القائد الثوري في الفخر بتاريخه.
لكن المشكلة تبدأ حين يُحوّل ذلك التاريخ إلى مبرر دائم للبقاء في السلطة، أو إلى مرجعية فوق الدستور.
فرجل الدولة لا يحكم بتاريخه، بل بأدائه الحالي.
والشرعية في الدولة تُمنح من المؤسسات، لا من السرديات الثورية.
من يُصرّ على أن “له تاريخ”، يجب أن يتذكر أن كل من حوله أيضًا “لهم مستقبل”.
الدولة لا تُدار بذهنية الميدان
الثائر يعتقد أن من ليس معنا، فهو ضدنا.
أما رجل الدولة، فيدرك أن من يخالفه قد يكون مكملًا له، لا خصمًا.
في الثورة، لا مكان للتدرج. كل شيء يُطلب فورًا.
أما في الدولة، فالتغيير يتم عبر التراكم، عبر الحوار، وعبر القوانين.
الثائر يقود بالعاطفة. رجل الدولة يقود بالمؤسسة.
الثائر يتحدث عن القضايا. رجل الدولة يضع السياسات لحلها.
ولهذا، لا يمكن الاستمرار في قيادة الدولة بنفس أدوات الثورة. لا بد من التحول الذاتي أولًا.
التخلي عن الامتياز الثوري
قد يبدو مغريًا أن يظل القائد الثوري في موقعه إلى الأبد.
لكن الحقيقة: من يُحب الثورة بحق، عليه أن يسلّمها إلى دولة تستطيع أن تحمي مكتسباتها.
رجل الدولة لا يتمسك بالموقع، بل بالمبدأ.
وحين تُصبح الثورة ذريعة للتمسك بالسلطة، فإنها تفقد معناها الأول: التغيير.
علينا أن نسأل أنفسنا كل يوم:
هل نحن نمثل المبدأ؟
أم أننا فقط نحرس الكرسي؟
لا مكان للهويات المزدوجة
من يريد أن يبقى “قائد ثورة” و”رجل دولة” في الوقت نفسه، يخدع نفسه.
الثائر يجب أن يتحول، أو أن يتنحى.
لأن الجمع بين الحالتين يخلق ازدواجية قاتلة:
دولة غير مستقرة.
مؤسسات مرتبكة.
وقيادة فاقدة للاتجاه.
دعوتي لرفاق السلاح والنضال
أن نُقرّ صراحةً أن المرحلة تغيرت.
وأننا، بثقة لا غرور، مستعدون لتسليم زمام الحكم إلى من يختارهم الشعب، لا من يعيّنهم التاريخ.
هذا لا يعني أننا ننسحب، بل نرتقي.
نُصبح جزءًا من مشروع بناء الدولة، لا أوصياء على الثورة.
في الفصل القادم ننتقل إلى الجانب العملي:
الفصل السادس: خطوات عملية نحو الشرعية الدستورية
وسنضع فيه تصورًا واقعيًا ومنهجيًا لكيفية التحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة.
(“هذا المقال جزء من سلسلة بعنوان: لابُد من الخروج من الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية