المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. الحرية للنقابات.. لا للأحزاب داخل العمل العمالي..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
بناءا على طلب من عدد من الزملاء النقابيين المخضرمين أعددت ورقة بعنوان “النقابات السودانية: تاريخ من التوظيف السياسي وامال التحرر” و بادر الإخوة بحركة المستقبل بولاية القضارف مشكورين بتقديمها بمنتداهم الاسفيرى الدورى امس، ولاهمية الورقة لحاضر ومستقبل العمل النقابي سأفرد عمود اليوم لطرحها باختصار غير مخل وسأقوم بنشر الورقة كاملة بمدونتي ايضا او يمكن طلبها عبر الإيميل الموضح بحاشية هذا العمود ..

تُعدّ الحركة النقابية السودانية من أقدم وأقوى مكونات المجتمع المدني في القارة الأفريقية والعالم العربي. فمنذ نشأتها في أربعينيات القرن الماضي، لم تكن مجرد كيان يطالب بحقوق العمال فحسب، بل تحولت إلى قوة وطنية فاعلة ساهمت في مقاومة الاستعمار، وتشكيل الوعي الوطني، وقيادة النضالات الجماهيرية من أجل الحرية والعدالة. غير أن هذه المسيرة المجيدة تعرضت، عبر العقود، إلى سلسلة من الانكسارات نتيجة التوظيف السياسي والهيمنة الحزبية، مما أفقد النقابات استقلاليتها ودورها الطبيعي في خدمة قواعدها العمالية.

منذ تأسيس اتحاد العمال السوداني عام 1950، شكّلت النقابات قوة ضغط اجتماعية وسياسية ذات وزن كبير، وكانت مؤثرة في قرارات الدولة ومشاركة في القضايا الوطنية. لكن الحكومات المتعاقبة، سواء كانت عسكرية أو مدنية، رأت في النقابات تهديدًا لمصالحها السياسية، فعملت على تفكيكها أو إعادة تشكيلها وفق أهوائها. في عهد جعفر النميري حُلّ الاتحاد أكثر من مرة، بينما لم يكن نظام “الإنقاذ” (1989–2019) بافضل حالا من سابقيه، فقد عملت جميع الحكومات المتعاقبة على اخضاع النقابات لرقابة الدولة و ولائها السياسي.

غير أن روح العمل النقابي لم تمت. فقد كان الأمل معقودا على ثورة ديسمبر 2018 للعمل على بعث نقابات حرة مستقلة، بعدما لعب تجمع المهنيين السودانيين دورًا محوريًا في قيادة الثورة وإسقاط النظام. هذا الحدث أوضح قدرة النقابات على أن تكون رافعة للتغيير الاجتماعي والسياسي، رغم سعى البعض لتدجينها لتصبح أداة في يد الأحزاب أو الأنظمة.

لكن الطريق إلى الاستقلالية لم يكن سهلاً. فبعد الثورة، واجهت النقابات ذات النهج الاستبدادي بفرض قرارات حكومات ما بعد الثورة والتحديات اللاحقة التى صاحبة سعى التحالف الحاكم لاقتسام كعكة السلطة، أبرزها الصراع الحزبي على القيادة، والانقسامات بين التيارات السياسية المختلفة، وغياب التشريعات التي تضمن حرية التنظيم النقابي وفق المعايير الدولية. ومع كل انقسام جديد، تتراجع ثقة العمال في مؤسساتهم النقابية التي يُفترض أن تدافع عن حقوقهم، لا أن تنغمس في صراعات السلطة.

إن التجارب الدولية المقارنة — كجنوب أفريقيا وتونس والبرازيل — تؤكد أن نجاح أي حركة نقابية يرتبط بثلاثة شروط أساسية: أولها، إطار قانوني ودستوري يضمن حرية التنظيم والتفاوض الجماعي ويمنع تدخل السلطة التنفيذية. ثانيا، فصل تام بين العمل النقابي والعمل الحزبي، بحيث تظل النقابة معنية بالدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعمال دون أن تتحول إلى ذراع سياسية لأي حزب “لكل حزبه والنقابة للجميع”. ثالثا، استقلال مالي وتنظيمي قائم على اشتراكات الأعضاء، بما يمنع الارتهان للدعم الحكومي أو الحزبي.

في السودان، ما تزال هذه الشروط بعيدة المنال. فالثقافة النقابية السائدة ما زالت أسيرة التاريخ الطويل من التبعية السياسية، بينما يعاني الاتحاد العام والنقابات المهنية من ضعف التمويل، وتداخل المصالح بين القيادات النقابية والكيانات الحزبية. هذا الواقع يجعل من الضروري إطلاق مشروع تحول نقابي حقيقي يعيد تعريف وظيفة النقابة كمنبرٍ مهني مستقل، لا كوسيلة للترقي السياسي أو تصفية الحسابات الحزبية.

إن الطريق نحو هذا التحول يبدأ بتوافق الفئات العمالية على إصدار قانون نقابات جديد يستند إلى معايير منظمة العمل الدولية، يكفل حرية التنظيم النقابي والإضراب، ويمنع التعدد القسري، ويؤسس لتعددية حقيقية قائمة على الديمقراطية الداخلية. كما يجب عقد مؤتمر نقابي جامع يمثل كل القطاعات، لوضع ميثاق شرف نقابي يضمن الفصل بين المهني والسياسي، ويعيد الثقة إلى العمال في مؤسساتهم، ويجعل القواعد العمالية هى المرجع الأوحد لشرعية الكيانات التى تمثلهم ينظمها مسجل تنظيمات العمل.

فالنقابات ليست مجرد هياكل تنظيمية، بل هي مدارس للوعي والمطالبة بالحقوق، وهي الضمانة الحقيقية لاستقرار الإنتاج والسلم الاجتماعي. وإذا تمكنت الحركة النقابية السودانية من التحرر من قبضة الأحزاب والسلطات، واستعادت رسالتها المهنية الأصيلة، فستعود كما كانت — قوة تغيير اجتماعي وعدالة اقتصادية، وشريكًا حقيقيًا في بناء سودان ديمقراطي عادل، تُحترم فيه كرامة العامل قبل أي حساب سياسي.

بعد اخير :
خلاصة القول، يا عمّال السودان، أنتم صُنّاع الحياة، وعماد الاقتصاد، وحماة العدل الاجتماعي الحقيقي. لقد آن الأوان أن تستعيدوا صوتكم الحرّ وأن ترفعوا راية النقابة المستقلة، التي لا تُباع ولا تُشترى، ولا تركع لحزبٍ أو سلطة. لا تنتظروا من أحد أن يمنحكم حقوقكم، فالتاريخ يُصنع بأيدي من يجرؤون على الدفاع عن كرامتهم.. واخيراً، لقد حان الوقت لتتوحّدوا خلف مطالبكم، وتحرّكوا طاقاتكم من أجل بناء حركة نقابية قوية، واعية، ونظيفة، تكون منكم ولكم، وتحمي مكتسباتكم من عبث الساسة وتواطؤ المتنفذين. أثناء و بعد حرب الكرامة أنتم القوة التي تبني الوطن، فلا تسمحوا لأحد أن يُفرّط في حقكم أو يختطف صوتكم. فلتنهض النقابات من جديد.. ولينطلق صوت العامل حرًّا، شريفًا، مدافعًا عن العدالة والكرامة والعيش الكريم… و نواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الخميس (9 اكتوبر 2025م)

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *