المندرة نيوز

مصعب بريــر في البعد الاخر يكتب.. الصحة السودانية… نزيف إدارة ام عجز ميزانية ..؟!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
تفاعل واسع أثاره مقال الأمس “حين يستغيث الوزير على الهواء”، حيث جاءت ردود خبراء الصحة من داخل السودان وخارجه لتؤكد أن ما يعيشه النظام الصحي ليس مجرد أزمة تمويل، بل أزمة إدارة في المقام الأول. فحين تُهدر الكفاءات، ويُقصى أهل الخبرة لصالح حلقات ضيقة من المقربين، لا يعود المال كافيًا لإنقاذ ما تبقى من الجسد الصحي المنهك.

لقد أجمع المتابعون على أن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب الرؤية المؤسسية داخل وزارة الصحة الاتحادية، وانعدام التخطيط الاستراتيجي القادر على التعامل مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. فالدكتور هيثم محمد إبراهيم، رغم إخلاصه الواضح في حديثه، وقع في فخ التعامل الانفعالي بدلًا من التخطيط العلمي. إذ إن الدعوة إلى التبرع العلني – مهما كانت نواياها نبيلة – تعكس غياب وجود منظومة اقتصادية واضحة لتسيير القطاع الصحي في زمن الحرب.

فكيف يُطلب الدعم الشعبي بينما ولاية المال العام بيد وزارة المالية؟ وكيف يُصرف المال في غياب مجالس استشارية تضم الخبراء الذين يمكن أن يضعوا حلولًا مبتكرة لإنعاش القطاع من الداخل؟

لقد كان الأجدر بالوزارة أن تُشكّل مجلسًا وطنيًا من الكفاءات السودانية داخل وخارج البلاد، يُعيد صياغة أولويات الإنفاق الصحي، ويضع خطة طوارئ علمية تعتمد على إدارة الموارد المتاحة قبل البحث عن المساعدات. فالمال، دون إدارة رشيدة وكوادر مهنية مؤهلة، لن يُحدث فارقًا يُذكر، بل قد يتحول إلى وقود إضافي للفشل والفساد الإداري.

إن ما وصفه بعض الخبراء بـ“المافيا الدودية” المحيطة بمفاصل القرار داخل الوزارة، ليس تعبيرًا قاسيًا بقدر ما هو توصيف دقيق لحالة الاحتكار والشللية التي عطلت كل محاولات الإصلاح. فلا إصلاح دون تطهير، ولا تعافٍ دون محاسبة حقيقية تعيد الثقة المفقودة في مؤسسات الدولة.

السودان اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يواصل الدوران في حلقة الشكوى وطلب المعونة، أو أن يشرع في إعادة بناء نظامه الصحي على أسس من الكفاءة والحوكمة والشفافية. المطلوب ليس ضخ الأموال، بل ضخ العقول والخبرات التي تعرف كيف تُدير الأزمات لا كيف تبررها.

بعد اخير :

خلاصة القول، لقد آن الأوان لأن نعترف — بجرأة لا تجميل فيها — أن النظام الصحي في السودان لا يمرض بسبب شحّ المال، بل بسبب ضعف الرؤية وضياع البوصلة وغياب أصحاب الكفاءة عن موضع القرار. فالمليارات لا تصنع شفاءً حين تُدار بعقول عاجزة، ولا تُبنى مستشفيات على أرض تهتز بالإهمال. الإنعاش الحقيقي لا يبدأ من خزائن وزارة المالية، بل من غرفة عمليات العقل المؤسسي: بإعادة الاعتبار للكفاءات الطبية التي هُمّشت، وإنشاء مجلس وطني مستقل لإصلاح القطاع الصحي يُعنى بالتخطيط والرقابة والمساءلة، وفصل إدارة الصحة عن المحاصصات السياسية التي نزفت من جسد الدولة ما يكفي.. واخيراً، إن أنجع سبل التعافي تبدأ من الشفافية، والمحاسبة، والحوكمة، تليها تعبئة وطنية توحّد الجهد الرسمي والشعبي حول مشروع صحي واحد لا تُديره الولاءات بل تُنيره الكفاءة والضمير

فليكن واضحًا: السودان لا يحتاج إلى متبرعين جدد، بل إلى مديرين جدد، ولا إلى صرخات استغاثة، بل إلى إرادة تُنقذ ما تبقّى من روح الدولة قبل أن يتحول الجسد كلّه إلى جرح مفتوح لا يندمل… و نواصل فى الحلقة القادمة إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
musapbrear@gmail.com

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *