الخرطوم=^المندرة نيوز^
تُعد هيئة سكك حديد السودان من أهم مؤسسات النقل القومي وأحد أعمدة التنمية الاقتصادية في البلاد. وللوقوف على أوضاعها الراهنة وجهودها في استعادة دورها الحيوي، أجرت وكالة السودان للأنباء (سونا) هذا الحوار مع المهندس مستشار موسى القوم الجهودي، مدير عام الهيئة، الذي تحدث بإسهاب عن التحديات، والإنجازات، والخطط المستقبلية للسكة حديد.
بداية، حدثنا عن تاريخ السكة حديد ودورها في التنمية الوطنية.
القوم: السكة حديد من أعرق مؤسسات الدولة، وهي الناقل الوطني الأول الذي يمتاز بانتشاره الواسع في جميع أنحاء البلاد. تأسست عام 1897م إبان الحكم الثنائي الإنجليزي–المصري، وبدأ أول خط بين وادي حلفا والخرطوم، ثم امتدت الشبكة تدريجياً لتربط عطبرة، كوستي، سنار، بورتسودان، والأبيض، لتصبح شرياناً اقتصادياً مهماً خلال فترة الاستعمار وما بعد الاستقلال.
كيف تأثرت السكة حديد بالحرب الأخيرة؟
تأثرت الهيئة بشكل كبير جداً، فقد تقلص الخط الرئيسي الممتد من نيالا إلى بورتسودان – بطول يزيد عن ألفي كيلومتر – ليقتصر العمل حالياً على القطاع بين عطبرة وبورتسودان بطول 475 كيلومتراً. كما توقف الخط بين عطبرة ووادي حلفا بطول 595 كيلومتراً بسبب السيول والأمطار، في حين تعرض الخط من الخرطوم إلى نيالا لتدمير كامل وتوقفت حركة القطارات تماماً.
كما نُزعت القضبان والفلنكات وتعرضت صالات الركاب للتخريب، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بمخازن السكة حديد في الأبيض نتيجة استهدافها من مليشيا الدعم السريع الإرهابية. وقد شكلنا لجنة برئاسة مدير الإقليم الغربي لحصر الأضرار ميدانياً.
ما الجهود التي بذلتها الهيئة لمعالجة الأضرار واستئناف العمل؟
بدأنا فوراً في إصلاح الأضرار بخط عطبرة – بورتسودان وإعادته لوضعه الطبيعي، مما مكننا من تسيير رحلات لنقل البضائع والركاب. كما أسهمنا في نقل القمح لشركة سيقا، الأمر الذي ساعد في توفير الدقيق للأسواق.
كذلك سيرنا رحلات مجانية لنقل النازحين من عطبرة إلى الخرطوم بالتعاون مع رجل الأعمال حسن برقو. كما جرى تشغيل أربعة قطارات تجريبية على خط عطبرة – الخرطوم بالتعاون مع الأجهزة الأمنية رغم صعوبة الظروف.
أما خط الخرطوم – شندي فقد تضرر بفعل السيول، لكننا تمكنا من تسيير أربع رحلات تجريبية أيضاً.
وماذا عن الشركات الوطنية والأجنبية المتعاونة معكم؟
هذه الشركات تأثرت بالحرب كذلك، لكنها بدأت في إعادة ترتيب أوضاعها تمهيداً للعودة إلى العمل قريباً، ونحن على تواصل دائم معها لاستئناف النشاط المشترك في أقرب وقت.
ما الذي يميز النقل عبر السكة حديد مقارنة بوسائل النقل الأخرى؟
النقل بالقطارات أقل تكلفة وأكثر استقراراً في الأسعار على مدار العام، وهو قادر على نقل كميات ضخمة من البضائع بأمان وبأسعار تنافسية، بعيداً عن مخاطر الغش والسرقة.
هل هناك تعاقدات جديدة للنقل؟
نعم، لدينا تعاقدات مع شركات كبرى مثل سيقا وكوفتي لنقل الأعلاف، والأسمنت، والدقيق، والسكر، إلى جانب نقل الوقود وتشغيل محطات الطاقة الحرارية. النقل بالقطار يثبت الأسعار ويسهم في إنعاش المحطات التي تمر بها القطارات.
ما أبرز احتياجات الهيئة في الوقت الراهن؟
نحن نناشد الدولة دعم وتحديث خطوط السكة حديد، خاصة خط مدني – الأبيض لما له من أثر كبير في تقليل تكاليف النقل ونقل الإغاثة بكلفة أقل من الشاحنات.
كما نطالب بأن تُمنح السكة حديد الأولوية في مرحلة إعادة الإعمار لنقل مواد البناء والإغاثة. هناك تجارب ناجحة في دول مثل مصر التي منعت نقل السلع الاستراتيجية إلا عبر القطارات، ونتمنى تطبيق تجربة مماثلة في السودان.
وماذا عن حماية أصول الهيئة وأراضيها؟
بدأنا فعلياً في تقنين أوضاع أراضي الهيئة بالتنسيق مع الولايات. تم التواصل مع والي القضارف لاستخراج شهادات بحث، كما عالجنا عدداً كبيراً من حالات التعدي في بعض المحطات، والوضع الآن تحت السيطرة.
ما أبرز التحديات التي تواجه السكة حديد حالياً؟
أهم التحديات هي تدهور البنية التحتية، تهالك العربات، ضعف الصيانة والتمويل الحكومي، بالإضافة إلى المنافسة من وسائل النقل البرية الحديثة.
ورغم ذلك، لدينا إدارة متخصصة للسلامة والجودة تتابع أوضاع القطارات والبضائع لضمان سلامة النقل. وقد نجحنا بالفعل في تجربة نقل الحاويات من بورتسودان إلى سوبا بكفاءة عالية.
كيف تسير الأنشطة الثقافية والرياضية للهيئة؟
كانت للسكة حديد فرق ثقافية ورياضية نشطة تقدم برامج ترفيهية للعاملين، لكن الحرب أثرت على النشاط الثقافي. ومع ذلك، استمر النشاط الرياضي بمشاركة العاملين في الأندية المحلية والدوري الممتاز بولاية نهر النيل.
حدثنا عن مشاريع التطوير والتحديث الجارية.
بدأنا في تحديث خط بورتسودان – مدني بطول نحو ألف كيلومتر باستخدام قاطرات صينية حديثة، ولدينا أربع وحدات مكيفة لقطارات الركاب، من بينها قطار النيل الذي يربط بورتسودان بمدني بسعة 300 مقعد.
أما خطة تشغيل قطارات السلطنة الزرقاء – سنار فتوقفت بسبب الحرب. كما نستخدم ثلاثة أنواع من الفلنكات: الخشبية، الحديدية، والخرصانية. ويستطيع مصنع الفلنكات الخرصانية الذي افتتح عام 2011م إنتاج 100 ألف فلنكة يومياً إذا استُغل بكامل طاقته، ما يكفي لتغطية احتياجات البلاد.
هل تحظى السكة حديد بالدعم الكافي من الدولة؟
لا يمكن القول إن السكة حديد ليست ضمن أولويات الدولة، ولكن ترتيب الأولويات حالياً لم يمنحها موقعها المستحق. في السابق، كانت تحظى بالأولوية خاصة خلال فترة استخراج البترول، حيث أسهمت في نقل الخام من أبوجابرة إلى مصفاة الأبيض.
كيف يمكن أن يسهم تحديث السكة حديد في تخفيف أعباء المعيشة؟
تحديث الخطوط سيخفف العبء كثيراً على المواطنين، فبدلاً من أن يسافر الشخص بالبص بمائة ألف جنيه، يمكنه السفر بالقطار بثلاثين ألفاً فقط وبالزمن نفسه تقريباً. كما أن القطار قادر على نقل بضائع تكفي ولاية كاملة بتكلفة منخفضة.
ماذا عن العاملين في الهيئة؟
الهيئة تتحمل رواتب العاملين كاملة منذ اندلاع الحرب رغم ضعف الإمكانيات، ونسعى لتحسين أوضاعهم عبر دعم شهري واستثمارات عقارية بتأجير بعض الأراضي لتوفير موارد إضافية.
سونا: كلمة أخيرة؟
نضع كل خبراتنا في خدمة الوطن، ونعمل رغم الظروف الصعبة لإعادة السكة حديد إلى مجدها السابق. نأمل أن تجد الهيئة الدعم المطلوب لتسهم كما كانت في تحقيق التنمية وتخفيف أعباء المعيشة عن المواطنين.