المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. الانسان العارى : الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى (١) ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
اولا: وهم الحرية في زمن المراقبة الرقمية:
في بدايات ثورة الإنترنت، ساد تفاؤل واسع بأن العالم الرقمي سيكون فضاءً جديدًا للحرية، مفتوحًا أمام الجميع، بلا رقابة ولا حدود. لكن بعد عقدين من تلك الأحلام البراقة، يأتي كتاب «الإنسان العاري: الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمي» ليقلب الصورة رأسًا على عقب. فالمؤلفان الفرنسيان مارك دوغان وكريستوف لابي يقدمان رؤية مغايرة تمامًا: العالم الرقمي الذي وعد بالتحرر، قادنا إلى عبودية جديدة، صامتة وناعمة، عنوانها السيطرة عبر البيانات.

يبدأ الكاتبان من فكرة بسيطة ومخيفة في آنٍ واحد: إن كل نقرة، وكل بحث، وكل إعجاب، وكل صورة نرفعها على الإنترنت، تتحول إلى لبنة في «الملف الشخصي الرقمي» لكل فرد. هذا الملف لا تراه أنت، لكنه مرئي تمامًا للشركات التي تدير المنصات التي تستخدمها. غوغل يعرف ما تبحث عنه، فيسبوك يعرف من تحب وماذا تكره، وأمازون يعرف ما تحتاج إليه قبل أن تفكر في شرائه. هذه الشركات لا تراقبنا فقط، بل تعيد تشكيل رغباتنا وتوجه اختياراتنا في الحياة اليومية.

الحرية التي نظن أننا نمارسها على الشبكات الاجتماعية هي في الحقيقة وهم متقن الصنع. فالمستخدم يشعر بأنه يعبّر عن ذاته بحرية، بينما هو في الواقع داخل نظام مراقبة شامل يجمع بياناته ليُعاد بيعها وتحليلها. كل إعجاب، كل تعليق، كل موقع نزوره يضيف سطرًا جديدًا في كتاب خفي يُكتب عنا دون علمنا. هذه البيانات لا تستخدم فقط في التسويق التجاري، بل في رسم خرائط نفسية واجتماعية يمكن من خلالها التنبؤ بسلوك الأفراد والجماعات، بل وحتى التأثير في خياراتهم السياسية.

يضرب المؤلفان مثالًا صارخًا: يستطيع فيسبوك، من خلال تحليل تفاعلاتك، أن يتنبأ بانتمائك السياسي بنسبة دقة مرتفعة، أو أن يحدد حالتك العاطفية والمزاجية في لحظة معينة. هذا التحليل الدقيق يجعل المنصة قادرة على توجيهك إعلانيًا أو سياسيًا بطريقة غير مباشرة، عبر اقتراحات أو منشورات محددة. إنها إدارة للسلوك دون أوامر، وتحكم في العقول دون قهرٍ أو سجون، بل من خلال «الإقناع الهادئ» الذي تصنعه الخوارزميات.

بهذا المعنى، يصبح المستخدم الحديث أشبه بمواطن يعيش في دولة بلا جدران، تحيطه كاميرات غير مرئية من كل جانب. ومع ذلك، لا يشعر بالخوف، بل بالراحة، لأنه يحصل على خدمات «مجانية» ومحتوى شخصي يناسبه تمامًا. لكن الثمن الحقيقي لهذه الراحة هو التخلي التدريجي عن الخصوصية والحرية. فالمجانية هنا ليست إلا فخًّا ذكيًا؛ نحن لا ندفع أموالًا، لكننا ندفع بأنفسنا وبياناتنا.

يرى دوغان ولابي أن ما يحدث اليوم هو أخطر من الرقابة السياسية القديمة. فالأنظمة الشمولية كانت تستخدم العنف المباشر لفرض الطاعة، أما اليوم، فقد حلت محلها أنظمة ناعمة تجعل الناس يطيعون طوعًا. المراقبة تحولت من فعل قمعي إلى نمط حياة، ومن أداة سلطة إلى ثقافة عامة. الإنسان المعاصر أصبح «شفافًا» أمام السلطة الرقمية، لكنه يظن أنه ما زال حرًّا لأنه يستطيع النشر أو التعبير أو التعليق!

بعد اخير :
خلاصة القول، إنها دكتاتورية لا تحتاج إلى زنازين أو حراس، بل إلى خوارزميات تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا. دكتاتورية خفية تُمارس باسم الراحة والسرعة والذكاء الاصطناعي، لكنها تسلب الإنسان شيئًا فشيئًا قدرته على التفكير النقدي والاستقلال الذاتي.. واخيراً، هكذا يظهر «الإنسان العاري» الذي يتحدث عنه الكتاب: كائن متصل دائمًا، مكشوف تمامًا، يعيش في شفافية قسرية تُطمس فيها الحدود بين الخاص والعام.

⚠️ في الحلقة القادمة: كيف تحولت شركات التكنولوجيا الكبرى إلى إمبراطوريات عالمية تنافس الدول في سلطتها على العقول والاقتصاد؟.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *