المندرة نيوز

مصعب بريــر في البعد الاخر يكتب.. الانسان العارى : الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى (٢) ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
ثانياً : إمبراطوريات البيانات.. الملوك الجدد للعالم..

منذ بداية الألفية الثالثة، شهد العالم صعود قوى جديدة لا ترفع أعلامًا، ولا تمتلك جيوشًا، لكنها تحكم العالم بوسائل أكثر فاعلية من القوة العسكرية: البيانات. في كتاب «الإنسان العاري»، يصف مارك دوغان وكريستوف لابي هذا التحول المذهل باعتباره أخطر انقلاب في موازين القوة منذ الثورة الصناعية. فشركات التكنولوجيا العملاقة مثل غوغل، فيسبوك، آبل، وأمازون — التي يُشار إليها اختصارًا بـ(GAFA) — لم تعد مجرد شركات، بل إمبراطوريات رقمية تنافس الدول في سلطتها وتأثيرها.

لقد انتقلنا من زمن كانت فيه الثروة تُقاس بالنفط أو الذهب إلى زمنٍ جديد أصبحت فيه البيانات هي ذهب القرن الحادي والعشرين. كل معلومة صغيرة — من مواقعنا الجغرافية إلى أنماط تسوقنا وحتى ساعات نومنا — لها قيمة اقتصادية هائلة. هذه البيانات، التي ينتجها البشر دون وعي، تُجمع وتُحلّل لتُعاد بيعها في أسواق غير مرئية. ومن خلال هذا الاقتصاد الخفي، باتت شركات التكنولوجيا تتحكم في سلوك مليارات البشر وتوجه قراراتهم.

يضرب المؤلفان مثالًا بالغ الدلالة: غوغل، الذي بدأ كمحرك بحث بسيط، تحول اليوم إلى أكبر “حارس للمعرفة البشرية”. فهو من يقرر أي النتائج تظهر أولًا، وأيها تُخفى. بهذه الآلية، لا يكتفي غوغل بتسهيل الوصول إلى المعلومة، بل يصوغ إدراكنا للعالم. ما لا يظهر في النتائج الأولى يكاد لا يوجد في وعينا الجمعي. وبذلك، أصبحت الشركة تملك سلطة ثقافية ومعرفية تفوق سلطة كثير من الحكومات والمؤسسات التعليمية.

أما فيسبوك، فقد تجاوز كونه شبكة تواصل اجتماعي إلى أن صار دولة عظمى افتراضية تضم أكثر من ملياري مستخدم. هذه المنصة لا تجمع الناس فقط، بل تُعيد تنظيم العلاقات الاجتماعية نفسها، وتتحكم في تدفق الأخبار والمشاعر. خوارزميات “نيوز فيد” تختار ما تراه من منشورات، فتخلق “فقاعة فكرية” مغلقة تحجب عنك وجهات النظر المختلفة، لتعيش داخل عالم مصمم خصيصًا ليناسب مزاجك ويُرضي قناعاتك المسبقة. والنتيجة هي تفكك المجال العام وتآكل الحوار المجتمعي، حيث يصبح كل إنسان سجين عالمه المعلوماتي الخاص.

يذهب دوغان ولابي إلى أن هذه الإمبراطوريات الرقمية لم تعد تعمل في إطار المنافسة الحرة، بل تمارس احتكارًا معرفيًا وسلوكيًا واسع النطاق. فهي تحتكر البنية التحتية للإنترنت، وتتحكم في الذكاء الاصطناعي، وتملك أكبر مراكز البيانات في العالم، وتفرض على الدول سياسات اقتصادية تتوافق مع مصالحها. حتى الحكومات التي تحاول مقاومة هذا النفوذ تجد نفسها مضطرة للتعامل مع هذه الشركات كقوى دولية ذات سيادة، لما تمتلكه من معلومات حساسة عن مواطنيها.

لكن الأخطر من ذلك هو أن هذه الشركات لا تعمل وحدها. فكما يكشف الكتاب، ثمة تحالف خفي بينها وبين مؤسسات الاستخبارات والأمن في الغرب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. باسم “الأمن القومي”، تم تسليم مفاتيح المراقبة الجماعية لهذه الشركات التي تملك البيانات. وهكذا، تماهت المصالح التجارية مع المصالح الأمنية، فاختفت الحدود بين “الخاص” و“العام”، وبين السوق والدولة.

بعد اخير :

خلاصة القول، يستنتج المؤلفان أن هذه الإمبراطوريات الجديدة لا تحتاج إلى الجيوش أو الحدود كي تبسط سلطتها. أدواتها هي الهواتف الذكية، التطبيقات، الإعلانات الموجهة، ونظم التشغيل. إننا نحمل أدوات مراقبتنا طوعًا في جيوبنا، ونشارك أسرارنا بملء إرادتنا، ثم نُدهش حين نجد أنفسنا مكشوفين. في هذا العالم، لم يعد الإنسان هو من يملك المعلومة، بل المعلومة هي من تملكه.. واخيراً، لقد ولّى زمن الملوك الذين يحكمون بالسيف، وبدأ زمن الملوك الذين يحكمون بالبيانات. إنهم لا يأمرون، بل يقترحون؛ لا يقمعون، بل يقنعون؛ ولا يقتلون الأجساد، بل يسيطرون على العقول. إنها الدكتاتورية الخفية للعصر الرقمي، حيث تتحول الحرية إلى سلعة، والمعرفة إلى أداة للهيمنة.. ونواصل في الحلقة القادمة: التحالف الغامض بين الشركات الرقمية وأجهزة الاستخبارات.. كيف أصبحت الخصوصية ترفًا من الماضي؟.. إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
musapbrear@gmail.com

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *