المندرة نيوز

البعد الاخر_ مصعب بريــر يكتب.. الانسان العارى : الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى (٤) ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
رابعاً : الإنسان كسلعة.. تسليع البيانات وبيع الأرواح الرقمية..
لم يعد الإنسان الحديث مجرد مستهلك للسلع والخدمات، بل أصبح هو نفسه السلعة الأكثر رواجًا في السوق الرقمي العالمي. في كتاب «الإنسان العاري»، يكشف مارك دوغان وكريستوف لابي كيف تحوّلت البيانات الشخصية إلى عملة جديدة تُباع وتشترى وتُتداول مثل النفط والذهب، لكنها أكثر خطورة لأنها تمسّ جوهر الإنسان ذاته. لقد أصبحت أجسادنا، عاداتنا، مشاعرنا، وقراراتنا اليومية مواد خام في مصانع الذكاء الاصطناعي والتسويق السياسي.

في البداية، بدا الأمر بريئًا: شركات الإنترنت تقدّم خدمات مجانية مقابل السماح بجمع بعض البيانات “لتطوير التجربة”. لكن الحقيقة، كما يوضح المؤلفان، أن هذه “المجانية” كانت الخدعة الكبرى للعصر الرقمي. فحين لا تدفع مقابل الخدمة، فإنك أنت هو المقابل. نحن لا نستخدم المنصات الاجتماعية، بل هي التي تستخدمنا. كل نقرة، كل إعجاب، كل ثانية من وقتنا تتحول إلى بيانات قابلة للبيع لشركات الإعلان، أو الأحزاب السياسية، أو حتى الأجهزة الأمنية.

لقد نشأ ما يُعرف بـ اقتصاد الانتباه، حيث أصبح الاهتمام الإنساني نفسه سلعة. تتنافس الشركات الرقمية على خطف عيون المستخدمين، لأن كل لحظة انتباه تعني مالًا. خوارزميات “الترند” و“الاقتراحات” و“التوصيات” لا تعمل لمصلحتنا كما يُروّج، بل لهدف واحد: إبقاؤنا متصلين أطول وقت ممكن. فكل دقيقة إضافية نقضيها أمام الشاشة هي فرصة جديدة لجمع المزيد من البيانات وتحقيق المزيد من الأرباح.

يضرب الكتاب مثالًا صارخًا بشركة “كامبريدج أناليتيكا” التي استخدمت بيانات ملايين المستخدمين على فيسبوك دون إذنهم لتوجيه الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة وبريطانيا. لقد تم تحليل تفضيلات الناس وسلوكهم النفسي بدقة مذهلة، ثم استُخدمت تلك المعلومات لتوجيه إعلانات سياسية مخصصة لكل فرد، تهدف للتأثير على قراراته الانتخابية دون أن يشعر. كانت تلك الفضيحة لحظة كشف صادمة: الإنسان الرقمي لم يعد حُرًا في قراراته، بل صار موضوعًا للبرمجة النفسية.

ويشرح المؤلفان أن هذه الشركات لم تعد تكتفي ببيع بياناتنا، بل تسعى إلى صناعة نسخ رقمية منا: “الذات الرقمية” التي تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا. هذه النسخة تُغذّى بمليارات الإشارات التي ترصد كل سلوك صغير — من نغمة الصوت في مكالمة، إلى سرعة الكتابة على لوحة المفاتيح، إلى معدل نبضات القلب الذي ترصده الساعة الذكية. ومن خلال هذه البيانات، يمكن توقع سلوكنا المستقبلي، بل والتأثير فيه قبل أن ندرك نحن ما نريده حقًا.

هكذا يصبح الإنسان في نظر السوق مجرد خوارزمية مربحة، قيمة رقمية في نظام إعلاني ضخم، وقطعة بيانات في يد شركات تعرف كيف تبيعنا لأنفسنا. لم يعد الهدف تسويق منتج، بل تسويق نمط حياة وسلوك وفكر. كل شيء يمكن تسليعه: آراؤنا، صور أطفالنا، علاقاتنا، وحتى آلامنا. فقد أصبح الحزن نفسه مادة تجارية تُستغل للإعلانات “الموجهة عاطفيًا”.

ويؤكد الكاتبان أن الأخطر من ذلك هو أن هذه الممارسات تُفرغ الإنسان من خصوصيته ومن قدرته على الاختيار. فحين تُصمَّم بيئات رقمية لجعلنا نختار ما تريده الشركات، فإن مفهوم الحرية يصبح وهمًا مغلفًا بالتخصيص. لقد تغيّر السؤال من “ماذا أريد؟” إلى “ما الذي صُمِّمت لأريده؟”.

بعد اخير :

خلاصة القول، في ظل هذا الوضع، تتحوّل القيم الأخلاقية إلى مؤشرات تسويقية، والهوية الإنسانية إلى ملف إعلاني قابل للتعديل. يكتب دوغان بمرارة: «نحن لم نعد نملك حياتنا الرقمية، بل صارت تملكنا». هذه الجملة تختصر مأساة العصر الرقمي: الإنسان لم يعد مركز النظام، بل أصبح وقوده.. واخيراً، يرى المؤلفان أن الحل لا يكمن فقط في تشريعات حماية الخصوصية، فالقضية أعمق من ذلك. إنها معركة حول من يملك الإنسان في الفضاء الرقمي: هل هو نفسه، أم الشركات التي تعرفه أكثر مما يعرف ذاته؟ نحن بحاجة إلى وعي جديد يعيد للإنسان سلطته على بياناته، ويجعل التكنولوجيا في خدمته لا العكس.. ونواصل في الحلقة القادمة: “من الحرية إلى التبعية”.. كيف تخلق المنصات الرقمية بشرًا مطيعين بإرادتهم؟ إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
musapbrear@gmail.com

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *