الخرطوم=^المندرة نيوز^
بقلوب يعتصرها الأسى، وعيون تدمع فخراً ووجعاً، ننعى للأمة السودانية عامة، وأهل كردفان ودار حمر خاصة، رحيل القامة الوطنية، والنخلة الشامخة، الأمير عبد القادر منعم منصور، الذي وافته المنية اليوم السبت 25 أكتوبر 2025م، بعد عمر حافل بالعطاء والنضال والحكمة والإيثار، تاركاً إرثاً عظيماً من المجد والكرامة والشرف، وذاكرة وطنية لن تمحى.
كان الأمير عبد القادر منعم منصور من السلسلة الذهبية لبيت الزعامة في دار حمر، بيت منعم منصور الذي نسج التاريخ سيرته بمداد العز، منذ أن تولى جده الناظر منعم منصور نظارة عموم دار حمر عام 1926، فكان رمزاً للزهد والعدل، وبنى المسجد الكبير بالنهود من حر ماله، ليورث أبناءه من بعده حب الوطن وخدمة الناس وإعلاء كلمة الحق.
تولى الفقيد الراحل نظارة عموم دار حمر عام 1985 خلفاً لأخيه، فكان زعيماً حكيماً، وقائداً محبوباً، جمع الناس على الكلمة الطيبة، وحكم بينهم بالعدل، وربط القبائل بروابط الجوار والتعايش الكريم، وظل حتى آخر أيامه نموذجاً للزعيم الأصيل الذي يتقدم الصفوف في المحن، ويحتمل ما لا يحتمل من أجل قومه ووطنه.
عرفه الناس فارساً في المواقف، وثابتاً عند الشدائد، ووفياً لمبادئه، لا يساوم على كرامة أهله ولا يتنازل عن شرف الدار. وعندما حاولت الأقدار أن تمتحن صبره بالمرض وتقدم السن، ظل شامخاً كجبل حيدوب، ثابتاً كأرض النهود التي أنجبته. حتى في محنته الأخيرة حين أسر ظل رمزاً للعزة، لم يلن، ولم يبع موقفه، بل واجه الباطل بصبر الرجال وإيمان العظماء.
وليس غريباً على بيت منعم منصور أن يخرج منه زعيم بحجم عبد القادر، فقد حمل ميراث أجداده الكبار: الشيخ إسماعيل قراض القش، والشيخ إبراهيم بك المليح، والشيخ سالم تريشو، الذين غرسوا قيم الكرامة والوطنية في وجدان دار حمر وأهلها.
لقد خدم الأمير عبد القادر وطنه نائباً في البرلمان لخمس دورات متتالية، وكان صوتاً للحق ومدافعاً عن قضايا الهامش والريف، وسفيراً للحكمة والاعتدال في كل محفل. وكان بيته في النهود واحةً للكرم والمشورة ومقصد كل محتاج.
رحل الأمير عبد القادر منعم منصور، لكن اسمه باقٍ في ذاكرة الوطن، محفور في جبال كردفان وقيزانها، تسكنه النهود كما سكنت روحه فيها، وتبكيه الدار كلها: من الخوي إلى غبيش، ومن ود بندة إلى أم لبانة.
رحل الرجل الذي كان “فراج كربة الضايق” وملاذ الضعفاء، وأحد آخر رموز الزعامة الأصيلة التي لم تبدل تبديلاً. رحل في زمنٍ تكثر فيه الفسالة وتندر فيه القامات.
سلامٌ على الأمير في عليائه، وسلامٌ على روحه التي حلقت في فضاء الشرف والعزة، وسلامٌ على تاريخه النقي الذي يرويه الناس جيلاً بعد جيل.
إنا لله وإنا إليه راجعون
اللهم اغفر له وارحمه، واجعل قبره روضة من رياض الجنة، وبارك في عقبه وذريته، واحفظ دار حمر وأهلها من بعده، وأبْقِ فيهم سيرته العطرة منارةً للأجيال.
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
musapbrear@gmail.com







