#البعد_الاخر
مصعب بريــر
السودان في مواجهة العواصف الوبائية: معركة الصمود بين الخطر والأمل ..!
“تحليل صحفي حول الوضع الوبائي في السودان – الأسبوع 42 لعام 2025”
يشهد السودان في الأسبوع الثاني والأربعين من عام 2025 وضعاً وبائياً بالغ الخطورة، وفقاً لتقرير وزارة الصحة الاتحادية – الإدارة العامة للطوارئ ومكافحة الأوبئة، الذي وثّق استمرار تصاعد معدلات بعض الأمراض المعدية وتراجع أخرى، في ظل ظروف إنسانية وأمنية بالغة التعقيد. يعكس التقرير صورة دقيقة لمشهد صحي مزدوج: جهود ميدانية جبارة من جهة، وواقع مرير من نقص الموارد وتدهور البنية التحتية الصحية من جهة أخرى.
أبرز ملامح التقرير تمثلت في الارتفاع المستمر في حالات حمى الضنك بثلاث من أكثر الولايات تضرراً، بينما سجلت الكوليرا والحصبة انخفاضاً ملحوظاً، في حين ظلت الملاريا على معدلات مرتفعة رغم تراجعها الطفيف مقارنة بالأسبوع السابق. أما التهاب الكبد الوبائي (E) فقد تصدّر المشهد باعتباره الخطر الأكبر، إذ ارتفعت نسبة الوفيات إلى 13% بولاية الجزيرة، ما يشير إلى ضعف نظم الوقاية المبكرة والتأخر في تلقي العلاج.
بلغت حالات الضنك التراكمية نحو 33,905 حالة و101 وفاة، تتركز في ولايات الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، كسلا، والقضارف. وسجلت ولاية النيل الأبيض ارتفاعاً حاداً من 154 إلى 670 حالة في أسبوع واحد، مما يعكس ضعف السيطرة البيئية وتكاثر البعوض الناقل للمرض. وفي المقابل، انخفضت حالات الملاريا من (83,485) إلى (81,322)، إلا أن المعدلات ما تزال أعلى من العام الماضي، وهو ما يؤكد أن جهود المكافحة الحالية غير كافية لتحقيق الانحسار المطلوب.
أما الكوليرا، فقد استمرت في 12 ولاية مع (71,591 حالة تراكمية) و(2,062 وفاة)، وهو رقم يعكس ضعف خدمات المياه والإصحاح البيئي، وضرورة تعزيز حملات التوعية الصحية في المجتمعات الريفية. وفي الاتجاه الإيجابي، تراجعت الحصبة إلى أدنى مستوياتها منذ بداية العام، بعد انخفاض الحالات من 70 في الأسبوع 38 إلى حالتين فقط في الأسبوع 42، ما يدل على فعالية جهود التطعيم في الولايات المستقرة أمنياً.
رغم هذه التحديات، أحرزت وزارة الصحة تقدماً لافتاً في عدد من الجوانب، شمل تدريب كوادر بولاية النيل الأبيض على علاج حمى الضنك، وتوفير أدوية الكوليرا بدعم من قطر الخيرية، وإطلاق حملات واسعة لمكافحة النواقل في الخرطوم والجزيرة. كما شهدت المختبرات القومية نقلة نوعية بتوسيع قدرات التشخيص في ست ولايات، في خطوة مهمة نحو اللامركزية الصحية التي تقلل زمن التشخيص والاستجابة.
غير أن التقرير لم يغفل الإشارة إلى الثغرات الحرجة التي تهدد استمرارية هذه الجهود، مثل نقص الأدوية والمحاليل الوريدية، وشح الكوادر الميدانية، وضعف الإمداد بالوقود والمبيدات، إضافة إلى غياب نظام رقابي متكامل لمراقبة جودة المياه والنفايات الطبية. كما أن النزوح المستمر أدى إلى فقدان عدد من العاملين المدربين، ما قلل من فعالية حملات المكافحة في ولايات دارفور والنيل الأزرق.
إنّ المشهد الصحي الراهن في السودان يعكس حالة توازن هش بين السيطرة والانفلات، فبينما تبذل وزارة الصحة وشركاؤها الدوليون جهداً مقدّراً في مكافحة الأوبئة، تظل البيئة الصحية الهشة وضعف التمويل والظروف الإنسانية المحيطة عوامل تعيق التقدم نحو السيطرة الكاملة. وإذا لم يتم تدارك الأمر بسرعة، فقد تشهد البلاد موجات وبائية جديدة أكثر عنفاً مع بداية موسم الشتاء القادم.
إن التحديات الوبائية الحالية تستدعي استجابة وطنية عاجلة تقوم على تنسيق الجهود بين المركز والولايات. ومن خلال تحليل المعطيات الواردة في التقرير، يمكن تلخيص التوصيات العملية التالية:
1. تعزيز الرقابة الوبائية الرقمية وتوفير الدعم الفني لمشرفي نظام (HeRAMS) لضمان التبليغ الفوري للحالات.
2. توفير الأدوية والمحاليل العاجلة، خصوصاً محاليل الباراسيتامول الوريدية وأدوية الضنك والكوليرا، وإنشاء مخزون استراتيجي للأزمات الصحية.
3. دعم برامج مكافحة النواقل عبر سد النقص في المعدات (الرشاشات، الماكينات، المبيدات) وتوظيف أكثر من 7,000 عامل ميداني بالولايات المتأثرة.
4. توسيع حملات الرش والتوعية المجتمعية بالشراكة مع المنظمات والإعلام لترسيخ السلوك الوقائي في الأحياء والمنازل.
5. إعادة تأهيل المعمل القومي للصحة العامة وإنشاء مختبرات لمراقبة جودة المياه في جميع الولايات.
6. تحسين خدمات المياه والصرف الصحي بالتنسيق بين وزارات الصحة والبنى التحتية والبيئة.
7. الاستثمار في تدريب الكوادر الطبية والفنية بشكل مستمر على بروتوكولات علاج الأمراض الوبائية.
بعد اخير :
خلاصة القول، إنّ السيطرة على الأوبئة في السودان ليست مجرد استجابة طارئة، بل استثمار استراتيجي في بقاء وصحة الوطن. فحين تتكاتف الجهود الرسمية والمجتمعية، يمكن تحويل هذه الأزمة الصحية إلى نقطة انطلاق نحو نظام صحي أكثر صلابة وعدلاً وقدرة على حماية حياة السودانيين من العواصف الوبائية القادمة.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الجمعة (31 اكتوبر 2025م)
 
				 
															






