المندرة نيوز

د. ماجدة مطر يعقوب تكتب.. أزمة مدينة الفاشر _ قراءة وتحليل

الخرطوم=^المندرة نيوز^
أصدر مركز الخبراء،للدراسات الانمائية وتحليل الأزمات تقريرًا تحليليًا مطولًا بعنوان «دراسة تحليليّة عن أزمة الفاشر»، عقب اجتياح قوات الدعم السريع لها فى أكتوبر الماضي ويرسم بانوراما دقيقة للأزمة التي تعيشها المدينة منذ اندلاع النزاع المسلح، ويقترح خريطة طريق عملية لإنقاذ المدنيين وإعادة التوازن الإنساني إلى غرب السودان.
يرسم التقرير صورة مؤلمة لمدينة الفاشر التي أنهكتها الحرب وتبددت فيها ملامح الحياة.
شوارعها التي كانت تضج بالحركة صارت مسرحًا للخراب، وأسواقها التي كانت ملتقى للتجار والحرفيين تحولت إلى أطلال صامتة.
تحدث التقرير عن أطفالٍ ينامون على الطين، ونساءٍ يبحثن عن الماء على مسافاتٍ طويلة، وشيوخٍ ينتظرون الدواء فلا يجدونه.
يقول التقرير: “الفاشر اليوم ليست جغرافيا، بل وجعٌ متحرك على خارطة السودان.”ط
اعتمد التقرير على رصدٍ زمني دقيق لتطور الأزمة في الفاشر، يمكن تلخيصه كما يلي:
في مارس 2023: اندلاع أولى الاشتباكات في محيط المدينة، بعد تراكم التوترات القبلية والاقتصادية.
مايو – يونيو 2023: توسع نطاق العنف ليشمل الأحياء السكنية، مع نزوح آلاف الأسر إلى أطراف المدينة ومخيم أبو شوك.
أغسطس 2023: انهيار أغلب المرافق الخدمية، وتوقف المستشفيات عن العمل إلا جزئيًا بدعم من منظمات إنسانية محدودة.
ديسمبر 2023 – فبراير 2024: موجة نزوح كبرى من القرى الغربية نحو الفاشر، وتزايد معدلات الوفيات بسبب الجوع والأمراض.
يونيو 2024: تدخلات إنسانية محدودة بالتعاون مع المنظمات الأممية، لكنها لم تغطِ سوى 20٪ من الاحتياجات.
نوفمبر 2024 – يناير 2025: اشتداد المعارك مجددًا حول المدينة وتدهور الوضع الإنساني بشكل غير مسبوق.

أبريل – أكتوبر 2025: استمرار الأزمة في ظل غياب الترتيبات السياسية والأمنية، وتحول الفاشر إلى مركز رئيسي للنازحين في الإقليم بأكمله.هذا التسلسل، وفق التقرير، يُظهر أن الأزمة لم تكن مفاجئة بل نتيجة تراكم طويل للإهمال الإداري، والتدهور الأمني، وفشل منظومة الحكم المحلي في إدارة الصراعات والتعامل مع آثارها الاجتماعية.

يحلل التقرير الأزمة في مستويين مترابطين: الأول أمني–خدمي، حيث أدى غياب السيطرة الحكومية وتدمير البنية التحتية إلى شلل في الخدمات العامة.والثاني اجتماعي–نفسي، تمثل في تفكك الروابط المجتمعية وانتشار الإحباط والخوف بين السكان.ويشير التقرير إلى أن الفاشر اليوم ليست مجرد ساحة معركة، بل مجتمعٌ منكوب يعيش على هامش الحياة، يعاني من ندرة الغذاء وانعدام الأمن وفقدان الأمل.
رصد التقرير حالة الشلل الاقتصادي شبه الكامل في المدينة، إذ توقفت الأنشطة التجارية والزراعية، وأُغلقت الأسواق، وارتفعت الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.
أما على الصعيد الإنساني، فقد تدهورت الأوضاع الصحية بشدة بسبب نقص الأدوية وانقطاع خدمات المستشفيات، ما أدى إلى تفشي الأمراض وسط الأطفال والنساء.
ويؤكد التقرير أن “الوجع الأكبر ليس في أرقام الضحايا، بل في قصص من نجوا وهم بلا مأوى ولا صوت.”

يقدّم التقرير تحليلًا استراتيجيًا من خلال أداة SWOT التي حددت:نقاط القوة من تضامن الأهالي، عمق الروابط القبلية، ووجود مبادرات محلية شبابية.ونقاط الضعف المتمثلة غياب التنسيق المؤسسي، تدهور البنية التحتية، وغياب التمويل المستدام. ويرى التقرير ان اهم فرصالتحسين تثمصل فى استعداد المجتمع الدولي للمساعدة، ووجود إرادة وطنية متنامية لإنهاء الحرب.

بينما تتمثل اهم ألتهديدات في استمرار النزاع، تفاقم الأوبئة، وتحول الأزمة إلى مأساة ممتدة.
وختاما وضع التقرير ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمسار الأزمة:. سيناريو الانفراج المشروط: في حال حدوث توافق سياسي وأمني يتيح وصول المساعدات.- وسيناريو الجمود الإنساني: إذا استمرت حالة اللاسلم واللاحرب دون حلول حقيقيةوسيناريو الانهيار الكامل: في حال توقف الدعم الخارجي وتصاعد العنف داخل المدينة.

أوصى مركز تحليل الأزمات بحزمة من الإجراءات العملية، أبرزها: إنشاء خلية طوارئ موحدة تنسيق الجهود الحكومية والإنسانيةو فتح ممرات إنسانية دائمة وآمنة تضمن وصول الغذاء والدواء والمياه دون عراقيل. بالاضافةالى إطلاق صندوق وطني لإعادة إعمار الفاشر ودارفور بمساهمة الدولة والقطاع الخاص والمانحين. إعادة تشغيل المدارس والمستشفيات تدريجيًا تحت إشراف بعثة إنسانية وطنية.ويؤكد التقرير أن أي خطة لا تضع الإنسان في مركزها ستفشل، لأن إنقاذ الفاشر ليس مشروعًا هندسيًا، بل مشروع حياة.

اختتم التقرير برسالة مؤثرة تقول:(ليست الحرب أكبر من الإنسان، ولا الخراب أعمق من الأمل؟.ففي كل بيت مهدّم طفلٌ ينتظر العودة إلى المدرسة، وأمٌّ تحلم بمطبخها القديم، وشيخٌ يدعو الله أن تعود المدينة كما كانت.
الفاشر ستنهض، لأن في ترابها ذاكرة صبرٍ لا تموت.”

جدير بالذكر ان مركز الخبراءء،للدراسات الانمائيه هو مؤسسة بحثية سودانية مستقلة تُعنى بدراسة وتحليل الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية في السودان والمنطقة الإفريقية.ويضم المركز نخبة من الباحثين والخبراء في مجالات إدارة الأزمات والإنذار المبكر والتحليل الاستراتيجي، ويعمل على إعداد تقارير دورية وأوراق سياسات تساعد صُنّاع القرار على تبنّي حلول واقعية ومستدامة.ومن بين أبرز أعماله خلال العام 2025، دراسات ميدانية حول أزمة الكهرباء في السودان، وتحليل اتجاهات الرأي العام، إلى جانب تقاريره الفصلية حول النزاعات في دارفور وكردفان.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *