المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب في البعدالاخر.. الانسان العارى : الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمى (٧) ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
سابعا: نحو دكتاتورية خفية — حين تحكمنا الخوارزميات بلا وعي ..
في ختام كتاب «الإنسان العاري»، يصل مارك دوغان وكريستوف لابي إلى أكثر أفكارهما جرأة وعمقًا: نحن لا نعيش فقط في عصر المراقبة، بل في بزوغ نظام شمولي جديد، لا يرفع السلاح ولا يفرض قوانين قمعية، بل يحكم البشر من الداخل عبر الخوارزميات. إنها الدكتاتورية الخفية للعالم الرقمي — دكتاتورية لا تحتاج إلى الشرطة أو السجون، بل تكتفي بالراحة والإقناع.

يرى المؤلفان أن هذا النظام الجديد يقوم على مبدأ بسيط وخطير في آن: “اجعل الناس سعداء بما يكفي حتى لا يشعروا بأنهم مسلوبو الإرادة.” وهكذا، تُمنح الجماهير خدمات مجانية، منصات ممتعة، وراحة فورية في كل شيء — مقابل شيء واحد: بياناتهم، أي أنفسهم.

في الدكتاتوريات التقليدية، كانت السيطرة تُمارس بالعنف والمنع والرقابة العلنية. أما اليوم، فالسيطرة ناعمة، مغلفة بالمكافآت والاقتراحات الذكية. خوارزمية «نتفليكس» تعرف ما نحب مشاهدته أكثر من أنفسنا. «أمازون» تقترح علينا ما سنشتريه قبل أن نفكر فيه. و«فيسبوك» يقرر ما نراه في صفحاتنا، فيصوغ وعينا اليومي دون أن نشعر. كل هذه الأدوات تصنع عالمًا يبدو “حرًّا”، لكنه في الحقيقة مصمم بدقة لاحتوائنا داخل فقاعة الراحة.

الإنسان في هذا السياق لم يعد مواطنًا حرًا، بل مستهلكًا مُدارًا. كل تفاعلاته وسلوكياته تُحلل وتُتنبأ وتُستخدم لإعادة تشكيل خياراته. لم يعد القرار نابعًا من الذات الواعية، بل من الخوارزمية التي “تعرف” ماذا نريد قبل أن نعرفه نحن. إنها دكتاتورية الاختيار الموجّه: لا أحد يجبرك على شيء، لكن كل ما حولك يدفعك نحو الاتجاه ذاته.

يحذر الكاتبان من أن الخطر الحقيقي لا يكمن في شركات التكنولوجيا وحدها، بل في التحالف المصلحي بين الحكومات وهذه الشركات. فمنذ هجمات 11 سبتمبر 2001، أصبحت أجهزة الأمن والاستخبارات ترى في “البيانات الضخمة” أداة مثالية للسيطرة الوقائية. والنتيجة: وُلدت منظومة عالمية من المراقبة المتبادلة، لا تقتصر على مجرمين أو إرهابيين، بل تشمل الجميع.

تسريبات إدوارد سنودن عن برنامج PRISM كشفت كيف كانت وكالة الأمن القومي الأمريكية تتعاون مع شركات مثل غوغل وفيسبوك لمراقبة المستخدمين حول العالم. هذه الشراكة تمثل نموذجًا للدكتاتورية الجديدة: القطاع الخاص يجمع البيانات، والدولة توظفها سياسيًا وأمنيًا. ومع كل أزمة أمنية أو صحية (مثل جائحة كورونا)، تتوسع شرعية المراقبة باسم “السلامة العامة”.

المفارقة أن هذه الدكتاتورية لا تحتاج إلى التهديد، لأنها تعتمد على ما يسميه الكاتبان الطاعة الرقمية الطوعية. نحن نمنحها قوتها بأنفسنا. نضغط “موافق” دون قراءة الشروط، نشارك صورنا ومواقعنا، نسمح بتتبعنا لأننا نريد تطبيقًا “أكثر ذكاءً”. وكلما زادت راحتنا، قلّت قدرتنا على المقاومة. فالمستخدم الذي يعيش في نعيم السرعة والخدمات المجانية، لا يسأل من يدفع الثمن — لأنه ببساطة هو الثمن.

في هذا النظام، الحرية تفقد معناها. لا أحد يمنعك من الكلام، لكن كلامك يُغرق وسط ضجيج خوارزمي مصمم لتوجيه انتباهك. لا أحد يصادر كتبك، لأنك لم تعد تقرأ إلا ما تقترحه عليك التطبيقات. لا أحد يمنعك من التفكير، لكن كل أدوات التفكير مُبرمجة لتفكر عنك.

يصف دوغان ولابي هذه الظاهرة بأنها نهاية السياسة كما عرفناها. فحين تُدار المجتمعات عبر بيانات ضخمة وخوارزميات تحليلية، يصبح القرار الإنساني هامشيًا. البرمجيات تتنبأ بالانتخابات، تقيس الرأي العام لحظة بلحظة، وتوجه الحملات الدعائية بدقة متناهية كما حدث في فضيحة Cambridge Analytica. المواطن هنا ليس شريكًا في القرار، بل موضوعًا للتحليل والتأثير.

إنها دكتاتورية بلا طغاة، وسجن بلا جدران، وعبودية طوعية يتلذذ بها البشر. كل ما يحتاجه النظام هو أن يربينا على الاعتياد: أن نقبل المراقبة بوصفها “طبيعية”، وأن نعتبر فقدان الخصوصية “ثمناً بسيطاً” للراحة الرقمية.

بعد اخير :

خلاصة القول، لا يدعو الكاتبان إلى رفض التكنولوجيا أو العودة إلى الوراء، بل إلى استعادة السيطرة على أدواتها. فالتحدي الأكبر اليوم هو وعي الإنسان بموقعه داخل هذه المنظومة: أن يعرف متى يختار ومتى يُختار له. يقول المؤلفان: «الحرية الرقمية تبدأ حين ندرك أننا لسنا مستخدمين للتكنولوجيا، بل نحن منتجاتها».. واخيراً، إن كتاب الإنسان العاري يختتم رحلته بنداء فلسفي عميق: إذا لم نستيقظ الآن، فقد نستيقظ غدًا في عالم بلا أسرار، بلا حرية، بلا إنسانية — عالم تسيره الخوارزميات باسم سعادتنا.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الجمعة (7 نوفمبر 2025م)
musapbrear@gmail.com

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب