المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. ديمقراطية من ورق.. وأحزاب من رماد: هل كتب على السودان أن يطارد سراب الحرية بلا استقرار ..؟!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
من يتأمل في مسيرة الدولة السودانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، يجد أن هذه البلاد لم تعرف طعم الاستقرار الحقيقي، رغم كثرة الشعارات البراقة عن الحرية والديمقراطية والتعددية. فكل حقبة سياسية – مدنية كانت أم عسكرية – تبدأ بمسح ما قبلها، لا انطلاقاً من رؤية إصلاحية أو مشروع وطني جامع، بل بدافع الكيد السياسي والمصالح الشخصية الضيقة، حتى غدت الدولة السودانية ساحة مفتوحة لتجريب الأفكار والأنظمة دون تراكم مؤسسي أو استقرار إداري.

اختصنى صديقى الاستاذ أحمد المصطفى إبراهيم كاتب العمود المميز “استفهامات” بمقاله القيم “الاستقرار ام الديمقراطية؟” فوعدته بمقال تحليلى عن جزور ماساة ابتلاء السودان بسراب الديمقراطية المشوه ، واشرت له لمقالاتى الأربع السابقة بعنوان “المدنية تبدّا بهيكلة الأحزاب السياسية” التى نشرتها أيام العك الديمقراطى الأخير الذى كان احد أسباب تشريدنا من منازلنا قاتل الله كل من تسبب فى هذه الحرب اللعينة وتامر علينا مع اعدائنا مصاصى دماء الأبرياء ..

ورغم مرور السودان بتجارب ديمقراطية عدة، إلا أن معظمها انتهى سريعاً بانقلابات عسكرية أو صراعات حزبية، لأن الأحزاب التي تدّعي الديمقراطية لم تمارسها يوماً داخلها. لم يشهد السودانيون مؤتمراً حزبياً حقيقياً يفرز قيادات جديدة، ولا انتخابات داخلية تغيّر الوجوه. زعماء الأحزاب باقون في مواقعهم حتى الموت، وكأنهم ملوك وراثيون في أنظمة تدّعي التعددية! لذلك لم يشعر المواطن بأن الفترات الديمقراطية أضافت لحياته سوى مزيد من الصخب والمهرجانات السياسية، التي تنتهي دائماً إلى محاصصات ومناصب.

إن التجارب التاريخية تقول إن فترات الحكم العسكري – رغم ما يحيط بها من جدل – كانت في كثير من الأحيان أكثر استقراراً وأمناً. يكفي أن نتذكر عهد الفريق إبراهيم عبود، الذي شهد استقراراً اقتصادياً وتنمية واضحة، مقارنةً بالسنوات التي أعقبته من فوضى حزبية وصراعات نخبوية. لكن السؤال الجوهري اليوم هو: هل نبحث عن الاستقرار أم الديمقراطية؟ وهل يمكن أن تتحقق الديمقراطية في بيئة سياسية مهترئة وأحزاب كرتونية لا تمتلك أدنى مؤهلات التنظيم والممارسة؟

لقد ألزم قانون الأحزاب السياسية لسنة 2007م كل حزب بتقديم نظام أساسي ولوائح وتنظيم مالي وإداري، وأن يعقد مؤتمراً عاماً كل خمس سنوات. لكن القانون، رغم شموله، لم يضع آلية واضحة لتصفية الأحزاب الورقية التي لا وجود لها في الشارع، ولا تأثير لها بين الناخبين. ففي الديمقراطيات الراسخة، كأمريكا مثلاً، يُحل أي حزب لا يحصل على 20% من الأصوات الانتخابية. أما عندنا، فالأحزاب تتكاثر بالانقسام والتشرذم دون أن تقدم برنامجاً واحداً ذا جدوى وطنية.

كما أن القانون لم يتناول بجرأة قضية تطهير الأحزاب من القيادات الفاشلة التي أدمنت الوعود والكذب على الناخبين، ولا ظاهرة الزعامات الأبدية التي حولت الأحزاب إلى ملكيات خاصة. إن إصلاح الحياة المدنية يبدأ من هيكلة الأحزاب السياسية نفسها، لا من تبديل الحكومات أو رفع الشعارات.

بعد اخير :

خلاصة القول، إن السودان اليوم بحاجة إلى استقرار مؤسساتي وأمني واقتصادي، قبل أن يغامر مجدداً بسراب الديمقراطية الشكلية. فالديمقراطية الحقيقية لا تُبنى في فراغ، ولا تقوم على أحزاب ورقية، بل على دولة قانون ومؤسسات قوية، وأحزاب وطنية قادرة على تقديم بدائل واقعية.. وأخيراً، هل نواصل الركض خلف سراب الديمقراطية أم نبدأ بإصلاح الداخل، ببناء أحزاب حقيقية تضع الوطن قبل الزعيم، والمواطن قبل المنصب؟ لعل الإجابة تكمن في قول الحكماء: “لا ديمقراطية بلا استقرار، ولا استقرار بلا مؤسسات حقيقية”.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..

ليس لها من دون الله كاشفة

حسبنا الله ونعم الوكيل

اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين

#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الاربعاء (12 نوفمبر 2025م)

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *