الخرطوم=^المندرة نيوز^
لقد تحوّل الخبز، الذي كان عبر آلاف السنين مصدر قوة وغذاء متكامل للمزارعين والجنود، إلى منتج صناعي يُشكّل اليوم أحد أخطر الملفات الاقتصادية والصحية. ففي عملية بدأت تجارياً واقتصادياً في القرن العشرين، تم تفكيك حبة القمح الكاملة (الحبة التي خلقها الله) بنزع قشرتها (النخالة) وجنينها، ليصبح ما نأكله اليوم “منتجاً صناعياً لا علاقة له بالحبة الكاملة”.
الخسارة الغذائية: ما الذي فقدناه؟
كانت حبة القمح الكاملة كائناً غذائياً متكاملاً:
* القشرة (النخالة): مصدر الألياف، فيتامينات B، والمعادن، وحامية للجهاز الهضمي.
* الجنين (Germ): مركز البروتين، الدهون الصحية، فيتامين E، والزنك.
* السويداء (Endosperm): الجزء النشوي الأكبر.
بنزع القشرة والجنين، لم يتبقَ إلا السويداء النشوية الفقيرة. وقد أدّى التحوّل إلى “الخبز الأبيض” – الجميل شكلاً وسهل المضغ – إلى نتائج صحية كارثية، أهمها:
* ارتفاع سريع في سكر الدم.
* نقص الألياف (مسبباً للإمساك والقولون العصبي).
* نقص فيتامينات B (مسبباً للتوتر وضعف الأعصاب).
* نقص المعادن (مسبباً للهشاشة).
هذه التغيرات هي ما أدّت لظهور السمنة والسكري وارتفاع الضغط بشكلها الحديث.
المستفيدون: قرار تجاري وليس غذائي
إن تفكيك حبة القمح لم يكن خياراً غذائياً، بل قرار تجاري-اقتصادي واضح المبررات:
* زيادة العمر التخزيني: الجنين يحتوي دهوناً صحية تفسد سريعاً؛ بنزعه تصبح الحبة مادة “ميتة” تعيش أطول، مما يسهّل التخزين والنقل.
* سهولة التصنيع والأرباح: القمح الأبيض يعطي مظهراً تجارياً جذاباً، ملمساً ناعماً، وعجيناً أفضل ورغيفاً كبيراً يناسب سوق المخابز الضخم. كما أنه أرخص وأطول عمراً من القمح الكامل، ما يضمن أرباحاً أكبر.
* توجيه الأسواق: فقدان الألياف في الخبز الأبيض يُفقد الإنسان الشعور بالشبع، فيستهلك أكثر، وهذه هي “أكبر هدية لصناعة الأغذية”.
أما المستفيد الأكبر والأخطر، فهي شركات الأدوية. حيث تُشكّل الأمراض المرتبطة باستهلاك الخبز الأبيض كـ (السكري، السمنة، القولون، ارتفاع الضغط، وأمراض القلب) العمود الفقري لأسواق الدواء العالمية. ويصعب وجود مصلحة اقتصادية لهذه الشركات في عودة الناس للقمح الكامل، لأن ذلك يعني انخفاض استهلاك الدواء.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن الحل ليس في الهروب من القمح، بل في إعادته إلى صورته الأولى: الحبة الكاملة. وعلى المستهلك أن يعي أن ما يأكله هو نتيجة سياسة اقتصادية معقدة وليست مجرد رغيف. ورسالتنا للمستهلك؛ يجب تعديل السلوك الغذائي الضار الذي تُسوّقه الشركات، والتذكير بأن دولاً مثل السويد، الدنمارك، ألمانيا، واليابان ما زالت تعتمد الحبوب الكاملة كأساس غذائي، وهي دول أفضل صحة وأقل سمنة.. واخيراً، البديل الصحي والاقتصادي يكمن فى إدخال الشعير كـ مكمل قوي، فهو يتفوق على القمح الكامل في تنظيم السكر، تقوية العظم، زيادة المناعة، ومنع السمنة، وقد كان غذاءً قديماً قوياً. إن العودة إلى الغذاء التقليدي المحلي، مثل الدخن، الذرة، الشعير، أو القمح الكامل بقشرته (كما في تجربة مدينة بربر السودانية القديمة)، هو خطوة لحماية مستقبل الأجيال وتقليل فاتورة الدواء، وإعادة التوازن إلى المائدة السودانية.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الجمعة (5 ديسمبر 2025م)






