الخرطوم=^المندرة نيوز^
نشر البيت الأبيض “استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة لعام 2025″، وهي وثيقة تكشف عن تحول عميق وجذري في السياسة الخارجية الأمريكية، مرتكزة بشكل صريح على مبدأ “أمريكا أولاً”. تمثل هذه الاستراتيجية نهجاً براغماتياً وصفقاتياً يركز على حماية المصالح الوطنية الأمريكية الأساسية، ووضع الأمن الاقتصادي وتأمين سلاسل الإمداد والتفوق التكنولوجي في صلب الأولويات. وهي وثيقة تبتعد بوضوح عن مشاريع “بناء الدول” أو “الحروب الأبدية” التي أرهقت الخزينة الأمريكية في الماضي.
يُظهر التحليل الجيوسياسي للاستراتيجية الجديدة إعادة ترتيب للأولويات العالمية. فقد تم وضع النصف الغربي من الكرة الأرضية في المقام الأول، معززاً بمبدأ “ترامب المُنقِّح لمبدأ مونرو” لضمان الهيمنة الإقليمية. وفي الوقت ذاته، تُعتبر منطقة المحيطين الهندي والهادئ المسرح الرئيسي للمنافسة الاقتصادية والتكنولوجية مع الصين.
أما منطقة الشرق الأوسط، فقد تراجعت أولويتها الاستراتيجية نتيجة لتحقيق الولايات المتحدة للاستقلال في مجال الطاقة. ويهدف التوجه الأمريكي فيها إلى “نقل الأعباء” وتجنب الانخراط في صراعات طويلة، مع التركيز على دعم الشراكات الصديقة وضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية.
بالنسبة لإفريقيا، التي جاءت في مرتبة متأخرة، فإن النظرة الأمريكية إليها شديدة الاختصار وتعتمد على المنفعة المباشرة، وتتركز على هدفين محددين: أولاً، الحد من النفوذ الروسي والصيني المتنامي؛ وثانياً، حماية وتأمين الوصول إلى المعادن الحيوية (Critical Minerals) اللازمة للصناعات الأمريكية المتقدمة. وهذا يضع المنطقة في خانة المنافسة الاستراتيجية على الموارد.
بالنسبة للسودان الذي يعاني من صراع داخلي، فإن الاستراتيجية الأمريكية أشارت إليه تحديداً كـ “فرصة للمشاركة” في التفاوض لتسوية النزاعات. للتعاطي بفعالية مع هذه السياسة الجديدة، يُقترح على الحكومة السودانية اتخاذ الخطوات العملية التالية:
* تحويل الصراع إلى أصل استراتيجي: يجب على الحكومة الانتقال من وضع “الدولة التي تعاني من صراع” إلى “الشريك في تحقيق الاستقرار الإقليمي”. يجب اغتنام البند الخاص بالتسوية في الاستراتيجية الأمريكية للضغط من أجل تسوية تضمن وحدة وسيادة الدولة، مما يجعل السودان شريكاً موثوقاً به في استقرار منطقة القرن الإفريقي بدلاً من كونه مصدر قلق.
* الاستثمار الاستراتيجي في المعادن الحيوية: يجب أن يتوقف التعامل مع الثروات المعدنية (كالذهب والمعادن الاستراتيجية) بعقلية التصدير الخام أو الاعتماد على المساعدات. وبما أن واشنطن تُفضل الانتقال إلى نموذج “التجارة والاستثمار” بدلاً من “المساعدات”، يجب على السودان طرح مشاريع استثمارية ضخمة ومُعلنة بالتعاون مع شركات أمريكية وغربية لضمان تطوير هذه المعادن، بما يشمل نقل التقنية وتصنيع القيمة المضافة، بدلاً من مجرد تصدير المواد الخام.
* سياسة عدم الانحياز النشط: في ظل التنافس الأمريكي-الصيني-الروسي على النفوذ، يجب على السودان أن ينتهج سياسة “عدم الانحياز النشط”، وتجنب الرهان الحصري على أي طرف عسكرياً أو اقتصادياً. يجب تنويع الشراكات بذكاء (الولايات المتحدة، أوروبا، دول الخليج، آسيا) لمنع تحويل البلاد إلى ساحة للصراع بالوكالة، والحرص على أن يكون التنافس بين القوى الكبرى في خدمة المصالح الوطنية السودانية العليا.
بعد اخير :
خلاصة القول، إن استراتيجية الأمن القومي لعام 2025 هي رسالة واضحة مفادها أن السياسة الخارجية الأمريكية هي سياسة مصالح بلا عواطف. ولتجنب الوقوع في أخطاء الماضي، والتي تمثلت في الاعتماد المفرط على قوة واحدة أو الانجرار إلى الصراعات الإقليمية والدولية دون وعي، يجب على السودان أن يدرك أن القوة تكمن في الداخل. الضعف الداخلي والانقسام هما الدعوة المباشرة للتدخل الأجنبي وتقويض السيادة.. وأخيراً، فإن الطريق الوحيد للحصول على الاحترام والتعامل الندي من القوى الكبرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، يكمن في إنهاء الصراع فوراً دون تفريط فى السيادة الوطنية، وتوحيد الجبهة الداخلية، وبناء مؤسسات دولة كفؤة ذات رؤية اقتصادية استراتيجية قادرة على إدارة مواردها وموقعها الجيوسياسي الهام بكل كفاءة واقتدار.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الأحد (7 ديسمبر 2025م)






