الخرطوم=^المندرة نيوز^
في حادثة غريبة هزّت ولاية القضارف شرقي السودان، ألقت السلطات القبض على رجل اتُّهم بأنه يقوم بـ”سحب الذكر” للرجال بمجرد المصافحة. ورغم أن التحقيقات والفحوص الطبية أثبتت سلامة كل المدّعين، فإن القصة تحولت إلى موجة هلع اجتاحت المجتمع، وملأت فضاءات التواصل الاجتماعي، لتصبح مثالًا صارخًا لظاهرة الهستيريا الجماعية وانتشار الشائعات في بيئات تعاني من هشاشة المعلومات وضعف التفكير النقدي.
أولًا: بين الخرافة والواقع – كيف بدأت القصة؟
بدأت الظاهرة حين اتهم أطفال وشباب رجلًا غريبًا بأنه تسبب في “اختفاء” أعضائهم الذكورية بعد أن صافحهم. ورغم أن الفحص الطبي أثبت وجود الأعضاء والخصيتين سليمتين لدى الجميع، فإن السؤال الذي تردد: هل أعاد لهم الساحر الأعضاء؟ أم أن الأمر مجرد وهم جماعي؟
هذا التردد نفسه يكشف حجم تغلغل التفكير الخرافي وقوة الإيحاء النفسي حين يقترن بالخوف، خصوصًا في قضية تُلامس الحساسية المرتبطة بالرجولة والهوية الجسدية.
ثانيًا: التحليل النفسي – لماذا يصدق الناس المستحيل؟
تفسر العلوم النفسية هذه الظاهرة عبر مفهوم الهلع الجمعي (Mass Hysteria)، حيث تنتقل مشاعر الخوف والقلق بين الأفراد مثل العدوى. في سياقات التوتر الاجتماعي، تنشط ميكانزمات نفسية تجعل العقل أكثر قابلية لتصديق الخوارق، منها:
1. القلق الانتقالي: يُحوّل الأفراد مخاوفهم العميقة وغير المحددة إلى صور ملموسة، مثل “ساحر” قادر على سلب الرجولة بالمصافحة.
2. الإيحاء النفسي القوي: حين يسمع الفرد أن آخرين فقدوا أعضاءهم، قد يصاب بوهم جسدي يجعله يعتقد أنه يعاني المشكلة نفسها.
3. الخوف من فقدان السيطرة: في مجتمع يعاني من ضغوط اقتصادية وأمنية، يصبح الجسد رمزًا للسيطرة، وأي تهديد له يتحول إلى ذعر شديد.
ثالثًا: التحليل الاجتماعي – لماذا تنتشر الشائعة كالنار في الهشيم؟
تقبل المجتمع للشائعات هو الوقود الحقيقي لهذه القصة. هناك عدة عوامل تفسر سرعة انتشارها:
• الأمية العلمية في بعض الشرائح، وضعف الثقافة الطبية التي تجعل فكرة “سحب العضو” ممكنة في ذهن البعض.
• انخفاض الثقة في المؤسسات، مما يدفع الناس لتصديق المحكي الشعبي بدل نتائج التحقيق.
• الحاجة إلى الإثارة في واقع يعاني من الرتابة والقلق الدائم.
• الفراغ المعلوماتي الذي يسبق البيانات الرسمية، وهو البيئة المثالية لصعود الأساطير.
• وسائل التواصل الاجتماعي، التي تضاعف سرعة انتقال الروايات دون تمحيص أو تحقق.
وقد أشار بعض المراقبين إلى أن القصة ربما استُخدمت لإلهاء المجتمع عن قضاياه الحقيقية، وهو أمر شائع في المجتمعات التي تنتشر فيها الشائعات بديلاً عن المعرفة.
رابعًا: كيف نتصدى لمثل هذه الظواهر؟
1. تعزيز الشفافية الرسمية عبر إصدار بيانات طبية وأمنية سريعة تمنع تضخم الاشاعات.
2. غرس التفكير النقدي في المدارس والجامعات، وتعليم مهارات التحقق من المعلومات.
3. تمكين الإعلام المسؤول وتدريب الصحفيين على تغطية القضايا المثيرة دون تضليل أو تهويل.
4. إنشاء منصات تحقق محلية تُفنّد الشائعات فور ظهورها.
5. التوعية المجتمعية عبر القيادات الدينية والاجتماعية لمحاربة التفكير الخرافي.
6. فتح نقاشات حول الضغوط المجتمعية التي تُحوّل الخوف إلى أوهام جماعية.
بعد اخير :
خلاصة القول، حان الوقت لنسعى جميعا لبناء مجتمع محصّن بالعقل لا بالخوف، إن حادثة “ساحب الذكر” ليست قصة عن ساحر، بل عن قوة الشائعة وضعف المناعة العقلية. الدرس الحقيقي أن الخرافة حين تجد بيئة مناسبة تتغلب على العلم، وأن الهلع الجماعي يمكن أن يشوّه الحقائق ويؤذي الأبرياء.. وأخيراً، لن نحصن أنفسنا كمجتمع إلا بالمعرفة، وببناء ثقة في المؤسسات، وبترسيخ التفكير العقلاني. فالمجتمع الذي يحصّن أفراده بالعلم لن تهزّه قصة ساحر، ولن يسقط مستقبلًا في فخ مثل هذه الظواهر.. ونواصل إن كان فى الحبر بقية بمشيئة الله تعالى ..
ليس لها من دون الله كاشفة
حسبنا الله ونعم الوكيل
اللهم لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ، و لا يرحمنا يا أرحم الراحمين
#البعد_الاخر | مصعب بريــر |
الاثنين (8 ديسمبر 2025م)







