المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. الوقاية المغدورة في السودان: كيف مهّد “الشلل المؤسسي” بعد فيضانات 2020 لتوطُّن الضنك والملاريا ..؟!

الخرطوم =^المندرة نيوز^
نضع بين أيديكم اليوم خلاصات صادمة لورقة علمية بالغة الأهمية، نشرها د. محمد عبد المنعم محمود بشير، بعنوان:
“الوقاية الغائبة في السودان: تحليل علمي لتقصير المنظومة الصحية في مكافحة نواقل الأمراض بعد فيضانات 2020 ودورها في توطين الأوبئة”.

تقدم الورقة قراءة علمية رصينة لانهيار المنظومة الصحية في السودان، مؤكدة أن الكارثة الصحية الراهنة لم تكن نتاج الحرب الأخيرة وحدها، بل نتيجة تراكم تقصير مؤسسي ومنهجي سبقها بسنوات، تحديدًا عقب فيضانات خريف 2020 غير المسبوقة. ذلك التراخي الوقائي فتح الباب واسعًا أمام توطُّن أوبئة كان بالإمكان منعها، ما ضاعف العبء الصحي والإنساني على البلاد.

جذور الانهيار: ما بعد فيضانات 2020
تكشف الورقة أن نقطة التحول الحاسمة نحو الهشاشة الوبائية بدأت فعليًا منذ عام 2021، حين تراجعت – أو توقفت كليًا – برامج مكافحة نواقل الأمراض. فقد خلّفت فيضانات 2020 بيئة مثالية لتكاثر البعوض والناقلات، عبر انتشار المياه الراكدة، تلوث مصادر الشرب، وانهيار واسع في شبكات الصرف الصحي.

لكن بدلًا من الاستثمار في الرش، والتطهير، والرصد الوبائي المبكر، جرى تهميش الوقاية لانشغال القائمين على أمر المنظومة الصحية آنذاك بصراعات السياسة العبثية، لتتحول البيئة المنكوبة إلى حاضنة مفتوحة للأوبئة.

عوامل متزامنة عمّقت الكارثة
تفاقم الوضع الصحي بفعل مجموعة عوامل متداخلة، أبرزها:
• توقف برامج المكافحة: غياب أي أدلة على تنفيذ حملات رش جماعية أو برامج وطنية مستدامة لمكافحة النواقل في معظم الولايات بعد 2021.
• انهيار خدمات المياه والصرف الصحي (WASH): أسهم تلف البنية التحتية وتراجع الوصول إلى المياه الآمنة في تفشي أمراض منقولة بالمياه، وعلى رأسها الكوليرا.
• النزوح الداخلي الواسع: شكّلت المخيمات العشوائية، المكتظة والمحرومة من الحد الأدنى من الخدمات، بيئة مثالية لانتقال الأمراض بوتيرة متسارعة.

من التفشي إلى التوطُّن: الأوبئة كمرآة للتقصير
لم يعد الأمر تفشيات موسمية عابرة، بل تحوّل إلى توطُّن وبائي خطير:
• حمّى الضنك: أصبحت مرضًا موسميًا مستقرًا في الخرطوم وعدد من الولايات، بما يعكس رسوخ دورة انتقاله. ففي عام 2022 وحده، سُجلت 5,264 حالة مشتبه بها، في 70 محلية عبر 11 ولاية.
• الملاريا: أكثر من 1.3 مليون حالة مؤكدة، وما يزيد على 850 وفاة في 2023، مع تقارير مقلقة عن بروز مقاومة دوائية تهدد فعالية العلاجات الحالية.
• الكوليرا: حتى أكتوبر 2024، تم تسجيل أكثر من 11,886 حالة و312 وفاة في 30 ولاية.

تكشف هذه الأرقام اختلالًا بنيويًا في فلسفة إدارة الصحة العامة، حيث جرى توجيه الموارد نحو العلاج بدل الوقاية، رغم أن التجارب الدولية تؤكد أن الاستثمار الوقائي أقل كلفة وأكثر فاعلية على المدى المتوسط والبعيد.

خارطة الخروج: توصيات الورقة العلمية
قدمت الورقة جملة توصيات محورية، أبرزها:
• إعادة إطلاق برنامج وطني لمكافحة النواقل عبر حملات رش شاملة وتوزيع عاجل للناموسيات المعالجة، خاصة في الولايات الأكثر تضررًا.
• تخصيص ميزانية مستقلة للوقاية تضمن استدامة التمويل، وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي (WASH).
• تعزيز أنظمة المراقبة والرصد بإنشاء مختبرات لرصد مقاومة الأدوية، وتفعيل نظام إنذار مبكر رقمي وشفاف يقلص زمن الاستجابة.
• ترسيخ الشفافية والمساءلة من خلال نشر البيانات التفصيلية والتقارير الدورية، بما يمكّن المجتمع المدني من الرقابة والضغط.

بُعد أخير :
خلاصة القول، الأوبئة التي تضرب السودان اليوم ليست قدرًا أعمى، بل نتيجة مباشرة لتقصير مؤسسي ممنهج. الوقاية ليست ترفًا إداريًا، بل خط الدفاع الأول للصحة العامة، ومعيارًا حاسمًا لنجاح الدول في حماية شعوبها.

وأخيراً، إن كلفة الانهيار الصحي الراهن تفوق – بأضعاف – كلفة الوقاية التي جرى التفريط فيها. والخروج من عنق الزجاجة لا يكون إلا بإعادة ترتيب الأولويات نحو استراتيجية وقائية استباقية، دون إبطاء أو تسويف.

ونواصل… إن كان في الحبر بقية، بمشيئة الله تعالى.
﴿ليس لها من دون الله كاشفة﴾
حسبنا الله ونِعم الوكيل
اللهم لا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *