المندرة نيوز

مصعب بريــر يكتب.. السيادة الأكاديمية تحت المجهر.. جدوى إيقاف توثيق شهادات PDF غير المشفّرة ..!

الخرطوم=^المندرة نيوز^
أثار قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بإيقاف توثيق الشهادات الجامعية الصادرة بصيغة PDF غير المشفّر جدلًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية والمجتمعية. غير أن البيان التفسيري الأخير للوزارة كشف بوضوح أن الإجراء لا يُمثّل تراجعًا إداريًا، بل يندرج ضمن رؤية استراتيجية واعية تهدف إلى حماية السيادة الأكاديمية السودانية وصون مصداقية مخرجات التعليم العالي.

في ظل الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها البلاد، يبدو القرار – رغم كلفته الآنية – خطوة جريئة وضرورية، تُعيد الاعتبار لمفهوم الموثوقية، وتضع حدًا لما يمكن وصفه بـ الأنظمة الرقمية الهشّة التي تسللت إلى المشهد الأكاديمي تحت لافتة “التحول الرقمي”.

من الرقمنة الصورية إلى الرقمنة الجوهرية:

تكمن جوهرية القرار في تصدّيه المباشر لما وصفته الوزارة بـ «الرقمنة الصورية»، حيث جرى الاكتفاء في بعض المؤسسات باستخدام “صورة توقيع” داخل ملف PDF، دون أي بنية تشفيرية حقيقية. هذا النوع من “التوقيع الهش” لا يوفّر دليلاً تقنيًا على الأصالة، ولا يضمن سلامة المحتوى أو مبدأ عدم الإنكار، ما يجعل الوثيقة عرضة للتزوير أو الطعن القانوني.

في المقابل، تعتمد الأنظمة الأكاديمية الرصينة عالميًا على التوقيع الرقمي المشفّر القائم على تقنيات التشفير غير المتماثل (Asymmetric Cryptography) وبنى المفتاح العام (PKI)، بوصفها الضامن الوحيد للأصالة والموثوقية. ومن هنا، فإن رفض الوزارة لشرعنة وثائق ضعيفة تقنيًا يُعد انتقالًا حاسمًا من التحول الرقمي الزائف إلى رقمنة جوهرية تستند إلى المعايير لا المظاهر.

التحذير من وهم الـ QR Code:

كما جاء انتقاد الوزارة للاعتماد على رمز الاستجابة السريعة (QR Code) الثابت في محلّه تمامًا. فالمصداقية هنا تبقى معلّقة بالبيئة المحلية ومدى استقرار الخوادم والمنصات التي يستند إليها الرمز. وفي ظل نزوح الجامعات وتشتّت البنى التحتية، يتحول هذا الرمز إلى مخاطرة حقيقية بمستقبل الخريج، خاصة في إجراءات المعادلة والاعتراف الخارجي.

إن إيقاف التوثيق بهذه الصيغة يُشكّل رسالة ضغط إيجابية لإجبار المؤسسات الأكاديمية على رفع سقف معاييرها التقنية، ويمهّد الطريق للإسراع في إطلاق المنصة الوطنية المركزية الموحّدة التي طال انتظارها.

توصيات لضمان الموثوقية في الظرف الاستثنائي:

ولتحقيق أهداف الوزارة دون الإضرار المباشر بمصالح الخريجين، تبرز الحاجة إلى حزمة إجراءات عملية، من أبرزها:

أولًا: الإسراع في تفعيل بنية المفتاح العام (PKI)؛ التعجيل بإنشاء منصة وطنية موحّدة للتوقيع الرقمي المشفّر (Central National Platform) قبل يناير 2026م، مع توفير دعم فني عاجل وبرامج تدريب مكثفة لتمكين الجامعات من الدمج السلس مع المنصة.

ثانيًا: التوثيق المرحلي المُعزّز؛ خلال الفترة الانتقالية، ينبغي اعتماد آلية توثيق تقليدي مُحسّن، عبر ربط مراكز التوثيق المعتمدة (مدني، كسلا، بورتسودان وغيرها) بشبكة داخلية مؤمّنة (Intranet)، تتيح تبادل البيانات والتحقق منها عبر نظام E-linkage رسمي ومستدام، بدلًا من الاعتماد على البريد الإلكتروني الشخصي.

ثالثًا: إصدار دليل فني إلزامي؛ يتوجب على الوزارة نشر دليل تقني واضح يحدد الحد الأدنى المقبول لمتطلبات التوقيع الرقمي المشفّر، بما يمكّن الجامعات – لا سيما الكبرى – من معالجة الفجوة التقنية وفق مرجعية موحّدة.

بُعد أخير :

خلاصة القول، يؤكد قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أنه لا مجال للتهاون في ما يتصل بسمعة ومستقبل التعليم السوداني. ففي زمن تتعرض فيه الدولة لاختبارات قاسية، يصبح التمسك بمعايير التوثيق الصارمة واجبًا وطنيًا ودرعًا واقيًا لسمعة الخريجين في المحافل الإقليمية والدولية.

إن إيقاف توثيق الشهادة الهشّة ليس تعطيلًا، بل خط دفاع أخير ضد التزوير، وضد تأخر الاعتراف الخارجي. وهو تكريس لمبدأ أن التحول الرقمي يجب أن يكون ضمانًا مؤسسيًا لا مغامرة تقنية.

وأخيراً، هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه على جميع الشركاء، وفي مقدمتهم الجامعات، الاستجابة العاجلة لمتطلبات الربط الإلكتروني الآمن، تمهيدًا لتأسيس ريادة أكاديمية سودانية غير قابلة للتزوير.

ونواصل… إن كان في الحبر بقية، بمشيئة الله تعالى.

﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ﴾
حسبنا الله ونِعم الوكيل
اللهم لا تُسلِّط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا، يا أرحم الراحمين.

#البُعد_الآخر | مصعب بريــر
الأحد | 14 ديسمبر 2025م
musapbrear@gmail.com

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *