الطاف حسن=^المندرة نيوز^
منذ العام 1997 بدأت ديون السودان الخارجية تتراكم بصورة مريعة جراء العقوبات الأمريكية التي تسبب في إنهيار الاقتصاد الوطني بشكل كلي، ولكن جاءت الحكومة الإنتقالية تعمل بخطى حثيثة لتطبيع علاقاتها الاقتصادية على المستوى الإقليمي والدولي إلى أن أوفت بمتطلبات مبادرة إعفاء الديون للدول الاقل نمواً (هيبك)، ولعل الدائنون للسودان أبرزهم نادي باريس وهو الوحيد الذي يملك حق إعفاء الديون جزئياً أو كلياً، بجانب البنك الدولى والبنك الإسلامي للتنمية وديون الدول وصناديق إقليمية وعربية أخري.
أعتاب الإغلاق
ويبدو أن ملف ديون نادي باريس على أعتاب الإغلاق نهائياً بعد أن بشر وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الدكتور جبريل ابراهيم الشعب السوداني بقرار إعفاء (14.1) مليار دولار من دين مجموعة دول نادي باريس لدى السودان وإعادة جدولة متبقى الدين البالغ قدره (9.5) مليار دولار إلى حين الوصول إلى نقطة الإكمال مع التوقف عن سداد خدمة الدين خلال هذه الفترة.
وكتب جبريل عبر صفحته بتطبيق فيسبوك بمناسبة القرار المشار إليه :(التهاني الخالصة للشعب السوداني الصبور بحصوله فعليا على إعفاء (14.1) مليار دولار من دين مجموعة دول نادي باريس و إعادة جدولة متبقي الدين البالغ (9.5) مليار دولار إلى حين الوصول لنقطة الإكمال مع التوقف عن سداد خدمة الدين خلال هذه الفترة، ويضيف جبريل إننا سنسعى للحصول على نتائج مماثلة أو أفضل منها مع الدول الدائنة خارج نادي باريس.. وهذه بداية موفقة لها ما بعدها باذن الله.
سقف الهيبك
ويذكر أن السودان من أكثر الدول المثقلة بالديون حيث تجاوزت سقف الهيبك بمئات النسب، وهذا ما جعله يستحق منح بطاقة إستيفاء الشروط الفنية الخاصة بالمعالجة على المستوى الدولي، إذ أن قرارات رفع العقوبات الاقتصادية وشطب إسم السودان من قائمة الراعية للإرهاب تعتبر مؤشرات تمهيدية لإنسياب التحويلات المالية على المستوي الخارجي دون قيود، الامر الذى أعتبره خبراء الاقتصاد بداية الإنفراج الكلي لازمات الاقتصاد الوطني وفي مقدمتها معالجة ملف الديون الخارجية على الرغم من ان الملف يرتبط بقضايا سياسية بحتة.
سداد الديون
ويقول بروفيسور إبراهيم محمد آدم أستاذ الدراسات الإقتصادية والعلوم السياسية بعدد من الجامعات السودانية في حديثه لـ^المندرة نيوز ^ أن قرار إعفاء ديون نادي باريس البالغة أكثر من (14) مليار دولار جاء مبكراً نسبة لجهود حكومة السودان الكبيرة خلال الفترة الماضية، ويضيف أنه كان من المتوقع أن يتم الإعفا بعد (3) سنوات وهي المدة المحددة لأن يصل السودان إلي نقطة إتخاذ القرار والمتعلقة بالإنفاق النهائي من الديون، ويضيف إن السودان لم يصل لهذه المرحلة بعد لكن الخطوات التي اتخذها الحكومة السودانية في الفترة الماضية أدت إلى قرار نادي باريس بإعفاء السودان من هذه الديون وما تبقى منها حوالي (9.5) مليار دولار، وتوقع يستم جدولتها لسدادها على مراحل.
وقف الفوائد
ويشير آدم إلى أن خطوة نادي باريس تحمل النقطة الأهم وهي وقف الفوائد على هذه الديون منذ اليوم بحيث لا تزيد قيمتها مرة أخرى، ولفت إلى أن الرقم الأصلي من هذه الديون حوالي (3.10) مليار دولار والان قارب (60) مليار دولار بسبب تلك الفوائد، ويوضح أن النصف الآخر من هذه الديون متعلق بمؤسسات دولية، ويبدو أن خطوة نادي باريس ستنقل الإقتصاد السوداني لمرحلة التعافي ولكن في حال تمكنت الحكومة السودانية من توظيف القرار لصالح الإصلاحات المالية والنقدية وعلى وجه الخصوص معاش الناس.
تطبيع فوري
ويقول دكتور هيثم محمد فتحى الخبير والمحلل الإقتصادي لـ^المندرة نيوز^ قرار نادي باريس يسهم في التطبيع الفوري لعلاقات السودان مع المجتمع الدولي والوصول إلى الموارد المالية الإضافية المهمة لدعم الإصلاحات الاقتصادية الصعبة التي تتنتهجها الحكومة الانتقالية، ويقول أنه من الممكن أن يتعافى الاقتصاد تدريجياً ويتغلب على التحديات التي يواجهها ويمنح مؤشراً إيجابياً يسهّل عملية إعفاء الديون الخارجية جزئياً أو كلياً، بالإضافة إلى أنه يسمح للسودان بفرص الإستفادة من القروض الدولية بشروط ميسرة خاصة وأن التمويل الدولي سيمثل دعماً لتحقيق الإستقرار الاقتصادي مع معالجة التشوهات الهيكلية في الاقتصاد وتعزيز النمو وتشجيع الإستثمار وبناء اقتصاد مزدهر للسودان الذي يعاني من مشكلة الديون الخارجية.
تفاقم الأزمة
ويضيف فتحي أن تفاقم أزمة الديون أثر على النمو والتنمية الاقتصادية في السودان، حيث نتج عنه تراجع العديد من القطاعات الاقتصاديّة، وتدهور البنى التحتية وارتبط ذلك بمجموعة من الأسباب منها التضخم بسبب ظهور عجز في الميزانيّة المالية، حيثُ شهد معدل التضخم إرتفاعاً مستمراً وأسهم إرتفاع مستوى الأسعار وإنخفاض قيمة النقود، إذ نتج عن ذلك تراجع لرأس المال والاستثمارات المرتبطة بالقطاع الخاص بسبب الخوف من إختلال التوازن الاقتصادي في السودان الأمر الذي نتج عنه حدوث ندرة في احتياطيّ النقود الأجنبيّة، ويقول ان جميع هذه العوامل أدت إلى إنخفاض قيمة الجنيه السودانيّ مقارنة مع سعر صرف العملات الأجنبية وارتفع العجز في الميزان التجاري نتيجة لتراجع الصادرات الاقتصادية.
قروض ميسرة
ومن المقرر أن تنتهج الحكومة السودانية هذه المرة سياسات محكمة لتحقيق مكاسب للاقتصاد القومي خاصة وأن السودان طوال السنوات الماضية لم يتمكن من الحصول على القروض الميسرة والتسهيلات مما أدى إلى تأخر عملية التنمية والإعمار وإلحاق آثار سلبية بالمواطنين، حيث ظلت الحكومة تصرف على التنمية من خلال القروض ذات العمولات الأعلى والصكوك والمرابحات العالية التي يمكن تصل نسبتها إلى 15%.
وتوقع بروفسور إبراهيم حدوث إنفراج كبير وإنجلاء الأزمات خلال الثلاث سنوات المقبلة، ويقول أن عدد من المؤسسات الخارجية ستعفي ديونها مما ينعكس إيجاباً على إستقرار العملة الوطنية حتى ولو وقفت العملة في سعرها الحالي سيكون إنجاز لان هذا سيكون محفز الكثير من المستثمرين وجلب تدفقات العملات الاجنبية للسودان، ولكنه قال يحب تصاحب اقرارات اعفاء الديون سياسيات طموحة من أجل إحلال الواردات السودانية بمنتجات سودانية إلى أن تكتفى البلاد ذاتياً وتستطيع أن تقفز بالصادر.
إعفاء ومعالجات
ويرى مراقبون أن إعفاء الديون العالمية له آليات ملزمة على الرغم من أن معالجتها تتم بطرق مختلفة، فهناك ديون غير قابلة للخصم والاعفاء وعلى الدولة دفعها أولاً توطئة لمعالجتها كلياً عبر المتابعة اللصيقة مع هيبك وذلك بعد الترتيب مع البنك الدولي للتمهيد لعقد إجتماع مشترك يضم نادي باريس لمناقشة الديون الثنائية الرسمية.
