ذهبنا إلى مطعم صيني واحتفلنا
بروفيسور إبراهيم محمد آدم يكتب..
الخرطوم=^المندرة نيوز^
عنوان المقال أعلاه عبارة قالها بطل الطيب صالح في قصة إلى أيلين تلك القصة التي رسخت في أنفسنا حكاية الطعام الصيني ونحن نأكل طعامنا دوماً في الأواني الصينية، نعم فسفرة أكلنا المبسطة عندنا إسمها الصينية، وأرقى الأواني المنزلية عندنا هي الصحون الصينية وأجمل الأطقم التي عرفناها في صغرنا هي شهر العسل، فقد حفظنا إسم ذاك الطقم ورأيناه يزين خزانة أواني أسرنا التي تسمى (الفضية)، هل تذكرونها في زمان (النيش الصغير ) هذا ، ربما لا يعرف البعض النيش.
تمتد الصين لتخرج من البيوت إلى الشوارع فالدوران عندنا في السودان يسمى بالصينية، وعبر الشوارع تدخل المنتجات الصينية إلى كل تفاصيل حياتنا فكل منتج يوجد منه الصيني ولكنه للأسف ارتبط عندنا بقلة الجودة وقصر الإستمرارية، رغم أننا أدركنا لاحقاً أن ذلك تقصير من تجارنا الذين يركزون على ما قل سعره وتناقصت جودته وعظم ربحه، وتحضرني هنا نكتة يتداولها الإخوة المصريون عندما ظهر ممثل صيني يشبه الفنان الراحل نور الشريف فقالوا حتى نور الشريف خرج منه تقليد صيني، نقول ذلك ونحن ندري أن المنتجات الصينية تنافس في أوربا وأمريكا وحجم التبادل التجاري بين امريكا والصين يتجاوز 600 مليار دولار سنوياً.
تلك خلفيات عن الصين في حياتنا اجتررناها ونحن نشد الرحال إلى هناك عبر الدوحة ومطار حمد الدولي الجميل الذي أعتبره احد لآلئ الخليج العربي في العصر الحديث، فهو يطل عليه مباشرة، ويربط دول المنطقة جميعها بالعديد من مطارات العالم. من المقادير السعيدة إنني قد كنت طوال تفاصيل تلك الرحلة فيما عدا محطة واحدة، قريباً من نافذة الطائرة فأول ما لفت نظري التكوين البديع لهذا المطار، فعندما يلج الداخل إليه يتخيل أن الحياة تنتهي هنا، ولا وجود لها خارج المطار لشدة ضجته وحيويته، وتلك كانت رحلتي الثالثة عبره، وهذه المرة قاصداً الصين في زيارة أتت بتوجيهات من السيد مدير الجامعة البروفيسور حينها أيوب آدم لي ولزميلي أحمد مختار وزينب عبد الله ممثلين لعمداء الكليات لتنفيذ الإتفاقية الموقعة مع جامعة قانسو للعلوم الزراعية، فجامعتنا قد حققت إنجازاً كبيراً في مجال توقيع الإتفاقيات يفوق عمرها القصير، وتبقى من بعد التنفيذ.
الرحلة إلى هناك زادتني إيماناً بصحة الحديث النبوي الشريف القائل أطلبوا العلم ولو في الصين، والإسلام كما تعلمون قد انطلق من جزيرة العرب ورغم تطور وسائل النقل إلا إن تلك البلاد لا تزال بعيدة فأنت بحاجة إلى ستة عشر ساعة طيران كاملة غير الوقت المهدر في المطارات لتصل فقط إلى العاصمة بيجين وان كنت قاصدا لأنزو مثلنا فأنت بحاجة إلى ثلاث ساعات طيران أخرى. ومطار بيجين الدولي، ليس كمطار حمد ، فالأول لا يعمل ليلاً و ينام كل من فيه منذ العاشرة مساءاً تقريباً ولا يعج بالحركة إلا في صباح اليوم التالي، وقد وجدت أن هذه هي طبيعة الحياة في كل الصين، وهي النوم المبكر والصحو المبكر، مع أخذ ساعتين قيلولة يومياً، وهذه سنة لنا ولكنا أضعناها .كانت الزيارة ناجحة، وفرصة طيبة للوقوف على التقدم التكنولوجي الهائل الذي وصلت إليه تلك البلاد، وكيفية إستفادة جامعة بحري ومنسوبيها من هذا الجهد الإنساني وتلك قصة أخرى هي ليست موضوع مقالنا ونتركها للتقارير الرسمية الصادرة في هذا الشأن .
البرنامج كان مزدحماً لم يمكننا من التنزه ورؤية الكثير من المعالم، ولكننا شهدنا بعض جوانب الحياة في بعض الأماكن التي زرناها داخل وخارج الجامعة، ولاحظنا أن الجامعة مثلاً تهتم كثيراً بالأنشطة اللاصفية، إذ يوجد بها أكثر من خمسين ميداناً للكرتين السلة والطائرة، ومسبح وثلاثة ميادين لكرة القدم، ومسارح ونحوها مما يجعل الطالب نفسه ليس بحاجة للذهاب خارجها لأي أمر .
نعود مرة أخرى إلى حكاية المطعم الصيني ففي داخل الجامعة مطعماً ضخماً للأكل الحلال رواده من الصينيين غير المسلمين أكثر من المسلمين الصينيين والأجانب ذلك لجودة طعام مسلمي الصين ولذته، وقد شهد بذلك كل من تناول سيرة الطعام.
في ذلك المطعم التقينا بأحد ملاكه وهو من مسلمي الاويغور، حيانا تحية إخوة لمعرفته أننا مسلمين وقد دله على ذلك ثوب أختنا الدكتورة زينب فهو بالتأكيد رمز إسلامي ولم يخب حدسه وفراسته كمؤمن حينما وجد ذلك فعلاً، و لفرط سعادته أخذ معنا قسطاً من الحديث بمساعدة مترجمنا المتميز مبعوث كلية الإنتاج الحيواني لدراسة الدكتوراة عبد الحليم جابر بابور، وحليم هذا ظل يرافقنا منذ وطأت أقدامنا لأنزو وحتى مغادرتنا عبر مطارها منضماً إلى وأولئك الطيبين مسئولي العلاقات الدولية بالجامعة كونق سيفاو والسيدات ما و وي وسيندي وهن ضابطات العلاقات العامة بالمكتب فهن مع كونق رجل وثلاث نساء يقومون بعمل كبير ، صديقنا الجديد المسلم الصيني قرر دعوتنا إلى إفطار صباح اليوم التالي ولكن برنامجنا كان لا يسمح بذلك فاعتذرنا، وعندما دعتنا إدارة الجامعة إلى وجبة غداء رسمية وجدناه واعتذرنا له عن عدم تلبية الدعوة ، فقال لا تعتذروا اليوم إنما هذه الوجبة أيضا دعوة مجانية لكم ولإدارة الجامعة، يا إلهي كل هذا الكرم الحاتمي ، لإخوة تعرفنا عليهم حديثاً . طعمنا وشربنا هناك هنيئاً مريئاً ودعونا له بلسان عربي مبين بعد أن تلى علينا آيات بينات بمخارج حروف واضحة وفصيحة جعلتنا نطمأن أيضا على مستقبل إخوتنا المسلمين بالصين.
مساء ذلك اليوم حانت لحظات الوداع لأيام مرت سريعاً ، فودعنا كونق مدير العلاقات الدولية بالدموع، أي والله بالدموع رغم أن معرفتنا به امتدت فقط لثلاثة الأيام فهالنا ذلك، وأعدناه كرةً إلى مترجمنا حليم ليشرح لنا أسباب تلك المشاعر الجياشة، فقال لنا أن هذه هي طبيعة الشعب الصيني فهو حساس وطيب ومضياف، فقلت لحليم وهل ستفعل ذلك إذا تعرضت لموقف كهذا، فقال لا، فنحن شرقيون، فقلت ولكن هذا هو أقصى الشرق.