المندرة نيوز

عثمان ميرغني يكتب.. الحل دولة الـ”لا” حكومة

الحل دولة الـ”لا” حكومة
عثمان ميرغني
الخرطوم=^المندرة نيوز^
في مؤتمر صحفي، الخميس الماضي 10 مارس 2022، السيد محمد الحسن ود لبات، موفد الاتحاد الأفريقي للسودان، قال: ”نشعر بقلق عميق على السودان، ونخشى أن تنزلق البلاد إلى ما تُخشى عقباه)..

وقبله، تكرر التصريح ذاته من السيد معظم مالك مدير إدارة أفريقيا في الخارجية البريطانية، الذي زار السودان للمرة الثانية خلال عام واحد، وقال إن ”المتاح أمام السودان زمن قصير للخروج من النفق قبل فوات الأوان“.

التشخيص الدقيق للحالة السودانية يكشف أن المشكلة لا تتعلق بالأطراف الفاعلة في المشهد السياسي مدنية أو عسكرية وحدها، بقدر ما هي عِلة بنيوية في تركيب وعظم الدولة.
ومع إمكانية تقديم وصفة عاجلة للخروج من الأزمة الراهنة، إلا أن الحل العميق الجذري هو الضمان الوحيد لاستدامة الاستقرار السياسي المنتج للنهضة الاقتصادية في السودان.

الدولة، أية دولة، تتألف من مكونين اثنين، الأول: المجتمع العريض الذي يمثل الجمعية العمومية شركاء الأرض والسيادة والمصلحة، والثاني: الحكومة أي سلطة الحكم في مختلف مستوياته، وهو الإدارة المنظمة لشراكة الأرض، والسيادة، والمصلحة.

ليس غريبًا في شأن الدول أن تستعيد دورة التأسيس من البداية، رغم كونها موجودة أرضًا وحدودًا سياسية وتاريخًا منذ أزمان بعيدة، أقرب إلى نظرية ”النشوء والارتقاء“ المعروفة، مثل بعض الدول الأوربية في العقود القليلة الماضية، التي كابدت مخاض إعادة التكوين والنشأة، كمجموعة دول البلقان التي وُلدت بعد تفكك دولة يوغسلافيا، وهي: البوسنة والهرسك، وكرواتيا، والجبل الأسود، ومقدونيا الشمالية، وصربيا، وسلوفينيا.

ونموذج نشوء دولتي الشيك، وسلوفاكيا، من رحم دولة ”تشيكسلوفاكيا“ السابقة.. وقبلها تفكك الاتحاد السوفييتي، وإعادة تأسيس 16 دولة منه.

ودون الخوض في الظروف التي أودت بتفكك هذه الدول مقابل نموذج دولة مثل ألمانيا، استعادت وحدتها بعد انقسام استمر لأكثر من 40 عامًا، فإن السؤال: كيف يمكن استعادة تأسيس دولة السودان بالاستفادة من تجارب إعادة تأسيس هذه الدول، أو بعبارة أخرى، كيف يمكن ممارسة نظرية ”النشوء والارتقاء“ في الدولة السودانية؟

المعطيات التي تُبنى عليها فرضيات إعادة تأسيس دولة السودان، أنها لا تزال دولة متماسكة رغم عمق جراح الخلافات السياسية والتوترات الأمنية، فالسودان لم يبلغ مرحلة الدولة الفاشلة -لا قدر الله – فلا يزال يخضع لسلطة مركزية ذات سيادة على كامل الرقعة الجغرافية، وجيش مركزي قوي ومسيطر، وشعور وطني واحد، رغم التفلتات القبلية في بعض الأحيان.

لكن التهديد الحقيقي يظل ماثلًا في الانهيار الاقتصادي الذي يضرب بقوة المواطن، ويهز تماسك الأسرة – نواة المجتمع – والانحسار المستمر وبسرعة للركائز الأساسية، مثل: التعليم، والصحة، والطاقة، والإنتاج في مختلف القطاعات.

وعلى خطورة الوضع الاقتصادي، إلا أن الطاقة الكامنة في موارد السودان الطبيعية والبشرية قادرة على قلب المعادلة بأسرع كثيرًا مما يتوقع المراقبون، لكن تحقيق ذلك يرتبط بإعادة هندسة الدولة لإزالة الخلل البنيوي في هيكلها العظمي.

إعادة بناء دولة السودان تتطلب صناعة التحدي الموجب لتوحيد الشعور الوطني أشبه بما يفعله الطبيب قبل الشروع في عملية جراحية للمريض، استثارة الدافع نحو الشفاء وإجراء الاختبارات الطبية التي تراقب العوامل المؤثرة على صحة الجسم، مثل الضغط والسكري وغيرهما، من التي تنشأ بسبب التوتر والخوف من المجهول الآتي.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب