المندرة نيوز

د. كوثر احمد تكتب.. السودان وخيار الحرب

السودان وخيار الحرب
د. كوثر احمد

الخرطوم=^المندرة نيوز^
من ينظر الى ما يجري في السودان بمنظور البعد الداخلي (بمعنى ان ما يجري في السودان شان داخلي يمكن السيطرة عليه ) متجاهلا البعد الخارجي فاليعيد معرفته وإلمامه بعلم السياسة والتحليل الاستراتيجي… فالسودان بموارده الاستراتيجية وموقعه الجيوستراتيجي المتميز يربط بين اهم منطقتين جيوإستراتيجيتين في افريقيا ( القرن الافريقي ومنطقة الساحل الافريقي ) وما يعنيه ذلك في صراع النفوذ العالمي والتشكلات الجديدة المرتبطة بالتحولات العالمية المستندة الى الحرب الروسية الاكرانية… هذه الاهمية الجيوإستراتيجية جعلت الحرب في السودان يقف وراءها صراع دولي اقليمي واسع يذكي نيرانها ويغذيها من اجل رسم معادلة السلطة في هذا البلد بما يضمن المصالح والنفوذ للقوى المتصارعة عليه الامر الذي يعزز من فرضية تحول الحرب في السودان الى نزاع طويل واسع النطاق يشمل دول الجوار وقوى اقليمية راعيةواخرى نافذة تتنافس تنافسا محموما على الاهمية الاستراتيجية للبحر الاحمر، خاصة روسيا الطامحة لاقامة قاعدة عسكرية في السودان تزامنا مع تنامي النفوذ الروسي في منطقة الساحل الاقريقي المضطربة( وما بعنيه ذلك من تهديد لامن الطاقة الاوروبي وزيادة معدلات الهجرة وإنتشار للجماعات الارهابية) . بلا شك ستبذل القوى الغربيةمجتمعة جهدها وعلى راسها الولايات المتحدة من اجل وقف الحضور الروسي مما يجعل السودان ساحة لصراع عنيف على النفوذ العالمي بين الشرق والغرب. ..يساعد على ذلك ان بعضا من هذه القوى قد رعت لها من يمثلها من امراء الحرب والحركات المسلحة المتمردة والمليشيات المنتشرة في السودان منذ عقود. وبالتالي فان هذه الحرب تمثل قضية وجودية للسودان ولقواته المسلحة التي هي الجهة الوحيدة التي تستطيع ان تضمن الحفاظ على كيان السودان وسيادته ووحدة اراضيه وهو مايلقي على كاهلهاتحقيق نصرا عسكريا تتمكن بموجبه القوات المسلحة من تحرير كل الولايات والاراضي الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع وهو امر ليس بالمستحيل لكنه يطرح الكثير من التساؤلات وله الكثير من المطلوبات ، فمواصلة الحرب والانتصار مربوطة بقدرات الدولة ووفرة المورد البشري وإرادة وطنية مستندة الى تماسك ووحدة الصف الداخلي وتحالفات إستراتيجية مؤثرة في تعديل موازين القوى لصالح الدولة السودانية . فهل هناك قدرة على مواصلة الحرب وماتقتضيه من إنفاق عسكري باهظ وقد تم تدمير البنية التحتية وتعطلت معظم الهياكل والمؤسسات التي تمثل الدولة السودانية وترفد الاقتصاد وقد تجاوزت معدلات التضخم ال157%في الربع الاول من هذا العام ؟
كيف نضمن التماسك ووحدة الصف الداخلي في ظل إنهيار موارد الدولةالى ادنى معدلاتها وتعطل مجالات الصناعة والتجارة والغذاء والدواء وتراجع الانتاج الزراعي وارتفاع اسعار الموجود وشح السيولة الى درجة العجز عن دفع الاجور ؟
إن وحدة الصف الداخلي من المطلوبات الاساسية في هذه المرحلة التاريخية لبقاء الدولة السودانية خاصة ان البلاد تعاني من عدم التوافق السياسي والاجتماعي والذي يمكن ان يدفع بالصراع على اساس المكونات المجتمعية والقبلية والعرقية المتداخلة الروابط مع المكونات السكانية لكثير من دول الجوار مما قد يوسع نطاق الصراع الى الدول المجاورة ويجعل قدرة الحكومة السودانية على إنهاء هذا الصراع محل شك .
مواصلة الحرب والقتال يتطلب ايضا وجود الروح المعنوية العالية للقوات المسلحةووفرة المورد البشري…. الموردالبشري الذي يعاني من الموت والخوف والجوع والمرض والتشرد والشتات، مايقارب ال 10مليون شخص وربما اكثر نزحوا للولايات الآمنة وما يزيد عن هذا الرقم يعيشون حالة اللجوء والشتات في حين ان الجانب الآخر يحظى بمساندة ودعم الاطراف الخارجية ويرفد بالجماعات المسلحة التي تغذي صراع السودان خاصة من اقليم الساحل والصحراء المضطرب سياسيا وإجتماعيا وإقتصاديا مستفيدة من عجز الدولة عن السيطرة على الحدود. .. وهو ما يعني ان الاستقرار في السودان يرتبط بالاستقرار في النطاق الاقليمي المصدر لتلك الجماعات .
ايضا امر آخر لابد من وضعه في الاعتبار….كيفية التعامل مع التدخلات الخارجية المستندة الى الثقل الجيوإستراتيجي للسودان والتي تجد من يمثلها من بعض القوى الفاعلة في المشهد السياسي السوداني الداخلي .
لذلك فإن اللعب على إستراتيجية إثارة المخاوف او التهديد(خيار الحرب) المرتكزة الى الموقع الجيوسياسي للسودان المؤثر على استقرار شمال وشرق وغرب ووسط إفريقيا وما يعنيه ذلك من تهديد واختلال لمنظومة الأمن الإقليمي والدولي يدفع بالقوى الفاعلة الخارجية للتأثير على مجريات الأحداث وفقاً لمصالحها . وبالتالي فإن خيار مواصلة الحرب المرتكز الى القوة العسكرية في قضية وجودية للدولة السودانية هو قرار سليم، لكن دون توفير مطلوباتها يصبح من المشكوك فيه ان يحتفظ السودان بكامل سيادته ووحدة اراضيه، وستدخل البلاد في مرحلة التآكل البطيء، وهي إستنزاف العدو لكل قدرات الدولة على مراحل وجعلها تقاتل من جبهة الى اخرى ثم تقاتل على جبهات متعددة ومحاصرة من كل الجوانب بخونة وعملاء من الداخل من مواطنيها ومن محليين الجوار وكذلك من آخرين دوليين حتى نصل مرحلة تقويض الدولة والمجتمع، فياتي التقسيم والتفكيك مكتسبا للشرعية على انه الحل الامثل للصراع بين الاطراف المتنازعة جغرافياو سياسبا و إقتصاديا، ومن ثم إستنزاف الثروات والاستفادة من الموقع الجيوسياسي للسودان وارساء مبدأ تفتيت الدول العربية و الافريقية لدويلات صغيرة لا حول لها ولا قوة، تستنزف لصالح القوى الكبرى والنافذة ولصالح النظام الرأسمالي الدولي، وبذلك يكتمل مشروع الاستراتيجية الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الدول العربية والافريقية ذات الجيوبولتيك الهام (التفكيك وإعادة التركيب في الشرق الأوسط وأفريقيا وفقا لمصالحها وضمان امن إسرائيل) وقد شكل فصل جنوب السودان عن شماله خير نموذج لنجاح هذه الاستراتيجية، وها نحن نشهد الان الاجهاز على بقية السودان وتفكيكه ونحن نعد لهم الملعب بكل سهولة.

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *