الحل عند أهل التصوف
تحت الشمس
محمد خير عوض الله
بدعوة كريمة من الرمز المصلح الشهير، والقطب الكبير الشيخ الطيب الشيخ برير، مرشد الطريقة السمانية سجادة خور المطرق، حضرت الاحتفال السنوي للسجادة والإفطار الكبير الذي أقامته بمجمع الشيخ برير بمنطقة أبوضعينة جنوب غرب امدرمان، والذي أمّه عدد كبير من رموز وزعماء التصوف، وحشود غفيرة من المريدين، وخاطبه عضو مجلس السيادة الأستاذ محمد الفكي سليمان، ومك عموم الجموعية، ألمك نايل ود محمد ود ناصر، وعدد من زعماء الطرق الصوفية، فضلاً عن صاحب الدعوة مرشد السجادة الشيخ الطيب الشيخ برير. كانت كلمات هؤلاء الرموز كلها تخاطب الأزمة السياسية والاقتصادية والأمنية الخانقة التي تعاني منها البلاد، بالنظر للحل من خلال زاوية واحدة (التسامح والتجرد وإخلاص النوايا) وقد أجمع المتحدثون جميعاً على أن الحل عند أهل التصوف، الذين يتكيّف (منهجهم العملي في الإصلاح الاجتماعي) على استيعاب كافة الناس، بلا استثناء، البر والفاجر، المخبت العابد والحائر الماجن، الصادق والمنافق والكاذب، كلهم في المسيد فيه (مغتسلٌ باردٌ وشراب) جميعاً يستوعبهم (المنهج العملي للإصلاح الاجتماعي) في مؤسسة المسيد، وهو منهج راسخ ظلّ يؤتي أكله، ويعطي ثماره، وتنير انواره، منذ عهد دولة الفونج، قبل أن تنشأ الدولة السودانية الحالية، أي قبل ظهور مايعرف ب(النخب السياسية) الذين نالوا العلوم ونبغوا في الخطابة، لكنهم هم أس الداء، وأساس البلاء، بحسب رمزهم الشهير د. منصور خالد في كتابه الموسوم (النخب السودانية وإدمان الفشل).
وقد جاءت كلمة رمز الطريقة السمانية الطيبية القريبية، د. هاشم الشيخ الطيب الشيخ الفاتح قريب الله، شفّافة ومصوّبة بقوة، مناشداً عضو مجلس السيادة حث النخب السياسية على الارتقاء بالخطاب السياسي نحو التصالح والتوجه نحو الإصلاح، والتنمية، بدلاً من (حرب الخصومة) التي ظلت البلاد ترزأ وترزح في رحاها عقوداً من بعد عقود، في مواصلة تجريب الفشل على نحو يدعو للحيرة. وقد كانت كلمات المتحدثين جميعاً، السيد المحجوب الميرغني مرشد الطريقة الختمية بجمهورية مصر، وبروفيسور معتصم أحمد الحاج مدير مركز الدراسات السودانية الأمين العام لمبادرة الطريقة السمانية سجادة خور المطرق، وغيرهما، كل الكلمات كانت تؤكد على أنّ الدواء في صيدلية أهل التصوف، وهو ما أكّد عليه عضو مجلس السيادة، الذي قال، إن رجعنا إلى كتاب طبقات ود ضيف الله نجد أنّ المسيد سابق للدولة الحديثة في صهر المجتمع وفق أساس التسامح والتصالح وإعلاء مبدأ قبول الآخر، ليكون القبول في الأرض مؤيداً بقبول السماء، وأشاد بمبادرة الطريقة السمانية سجادة خور المطرق، التي تعمل منذ أكثر من عام على تدارك الدولة والمجتمع حتى لايحدث الانفجار العظيم، ومن ثمرات سعيها بين الولايات الحل العاجل الناجع الذي بموجبه استطاعت نزع فتيل الأزمة بين النوبة والبني عامر في بَورتسودان، وهو ما جعل عضو مجلس السيادة يجزم بأنّ أهل التصوف بالتأييد الرباني قادرون على تدارك البلاد التي كان يمكن أن تكون قد تلاشت لولا وجودهم على حد وصفه وهو صادق، وقد أكد صاحب المبادرة الشيخ الطيب الشيخ برير أنّ كل محاور المبادرة تعمل على خدمة الهدف الأول والأخير، وهو الإنسان.
في تقديري، طالما أنّ النخب السياسية هي سبب الفشل، بتغذية الصراع حول الكرسي، وتدوير حرب الاستئصال فيما بينها، باعتراف كل رموز هذه النخب، منذ أحمد خير المحامي ومحمد أحمد محجوب، وعبدالماجد أبوحسبو، وعوض عبدالرازق، وأمين التوم ود. منصور خالد، والخاتم عدلان، ود. الأفندي،.. الخ. طالما أنّ أكبر وأشهر رموز النخبة قد كتبوا ووثقوا تدوير الفشل وحرب الاستئصال، فإنه يتعيّن على الجميع، سيما في هذا الظرف العصيب، الرجوع إلى عواصم من القواصم، ولا عواصم تراها أمامك سوى هذه السجادات المباركة، التي مافترت ولا فتئت تؤي كل مشرّدٍ طريد، وتصلح كل منحرف ضال، وتطعم كل فقير جائع، وترشد كل تائهٍ ضائع، ودورها مشهودٌ معلوم. أذكر أنني في عام 1996م تقريباً كنت أمكث في المسيد بأم ضواً بان، فإذا بالعربات تراصت وهي تقلُّ وفداً كبيراً، جاؤوا إلى المسيد، الوفد اسمه (وفد المقدمة) لمبادرة الحل التي طرحها الشريف زين العابدين الهندي من منفاه خارج البلاد مع رفيقه المفكر الراحل محمد أبوالقاسم حاج حمد وهو كذلك من أفضل الذين ارخوا لفصول فشل النخب، قالوا أتينا بتوجيه من الشريف، بألا نذهب لأي مكان قبل التوجّه للمسيد، إيماناً ومعرفةً وعرفاناً، الشريف رمز سياسي لكنه من بيت صوفي كبير يعرف دور أهل السجادات في السلم الاجتماعي، وهو ما أكده ممثل السيادة محمد الفكي أمس. كل ذلك لأنّ مدرسة التصوف تهذب النفوس وتنزع الشحناء، وبالتالي تعالج أكبر داء عضال يهدد العمل السياسي، وهو (الصراع الأيدولجي) الذي يقود إلى (حرب الاستئصال) وهي أسوأ أنواع الحروب. الانتماء الأيديولوجي الذي دخل الحقل السياسي، يقوم أساساً على الانغلاق وعصبية الرأي وادعاء الحق المطلق، وعدم الاعتراف بالآخر، بل يعتبر سحق الآخر واستئصاله واجب وطني مقدّس.
لذا، عوداً على بدء، نجزم بأنّ الحل عند أهل التصوف، وليس المقصود، بالطبع، استبعاد الآخرين أو جعلهم في خانة (المردوف) إنما المقصود تشجيع أهل التصوف باتجاه المبادرة، وتمكينهم من كافة المتطلبات الإجرائية والعملية لتكون مبادراتهم واقعاً يثمر خيراً ونفعاً.
اللهم احفظ للسودان أمنه وأمانه، واجعله سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. آمين.