بورتسودان=^المندرة نيوز^
يشكل افتتاح مداولات قضية السودان ضد الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية – أعلى هيئة قضائية دولية – لحظة محورية في الاستجابة الدولية والانتباه لخطورة التدخلات الخارجية في الحرب التي أشعلتها مليشيا الدعم السريع الإرهابية في السودان، وتسببت في إبادة جماعية لقبيلة المساليت في غرب دارفور، بينما لا تزال فصولها مستمرة تهدد صباح مساء حياة المواطنين العزل حتى الذين هم في معسكرات النزوح بزمزم وأبو شوك في شمال دارفور.
ويقول خبراء واختصاصيون إن الخطوة جاءت في الاتجاه الصحيح، وأن إدانة الإمارات لا تحتاج إلى أدلة وبراهين، وأن الشواهد عديدة. تعتبر الحرب التي أشعلت شرارتها مليشيا الدعم السريع المتمردة وحلفاؤها في الخامس عشر من أبريل العام 2023 من أسوأ وأبشع الحروب في التاريخ المعاصر لما صاحبها من انتهاكات وتجاوزات فاقت الوصف. كما أنها استهدفت بقاء السودان كدولة على الخارطة والجغرافيا، وأنها هدفت لتفتيت وحدته وطمس هويته ونهب خيراته وثروته، فتم التخطيط والاستعداد لها من قبل المليشيا المتمردة وأعوانها في وقت مبكر، حيث أخذت طابعًا سياسيًا من خلال الاستقطابات الحادة والاصطفاف من جانب بعض القوى والكيانات الحزبية التي تسيدت الساحة السياسية عقب سقوط نظام الإنقاذ ومحاولة الدفع الرباعي للمليشيا وقادتها وتقديمهم وتسويقهم على أساس أنهم حماة الديمقراطية.
والشعارات التي رفعت فاتخذوا من بعضهم “درقات” وواجهات وقبعات للعمل جنبًا إلى جنب لإذكاء روح الكراهية والإقصاء، رافعين تلك الشعارات الجوفاء وصولًا لمرحلة الحرب. وبالنظر إلى الدعوى التي تقدم بها السودان ضد الإمارات لدى محكمة العدل الدولية، يقول خبراء ومختصون إن الخطوة جاءت في الاتجاه الصحيح، وأن إدانة الإمارات لا تحتاج إلى أدلة وبراهين، وأن الشواهد عديدة.
تواطؤ الإمارات:
وقال الخبير في القانون الدولي والمحامي المعروف دكتور نبيل أديب لوكالة السودان للأنباء إن دعوى السودان ضد الإمارات تقوم على ادعاء بتواطؤ الإمارات مع مليشيا الدعم السريع بمساعدتها ماديًا وعن طريق نفوذها الدولي بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. والعقبة الرئيسية في هذه الدعوى هي أن اختصاص المحكمة الدولية يقوم على المادة التاسعة من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والتي تحفظت الإمارات عليها عند توقيعها على الاتفاقية.
قاعدة الفصل
ويضيف نبيل أن قاعدة الفصل في هذه المسألة تقوم على جواز التحفظ على المادة المذكورة لأن المادة 19(3) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات تقضي بأن للدول أن تضع تحفظًا إذا كانت المعاهدة لا تحظر التحفظات أو إذا كان التحفظ يندرج في فئة التحفظات المحددة المسموح بها، وذلك بشرط ألا يكون هذا التحفظ متعارضًا مع موضوع المعاهدة وهدفها.
نصر في ميدان العدالة
ويقول الخبير في الشؤون القانونية والمحلل السياسي دكتور عثمان حسن عثمان إن السودان حقق بانعقاد جلسة محكمة العدل الدولية يوم الخميس نصرًا كبيرًا في ميدان العدالة لشعبه، قدم للعالم بالدليل إثبات حقيقة العدوان الظالم الذي تعرض له الشعب السوداني ولا يزال منذ 15 أبريل 2023م، والمدعوم بصورة مباشرة من دولة الإمارات وغيرها من الدول والمنظمات في الإقليم والعالم.
حيث نجح السودان في تقديم قضية متماسكة ومؤسسة عرضت ما يقارب من مائتي مستند صحيح على محكمة العدل الدولية تؤسس دعوى السودان بارتكاب دولة الإمارات العربية جريمة الإبادة الجماعية في مدينة الجنينة، مستخدمة مليشيا الدعم السريع المتمردة التي أرادت الاستيلاء على السلطة في السودان بانقلاب بالشراكة مع بعض القوى المدنية. وبينت المستندات المقدمة للمحكمة العلاقة الضرورية الرابطة بين المليشيا المتمردة ودولة الإمارات في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في مدينة الجنينة، احتواها الملف القانوني الذي أودع لدى المحكمة والذي تناول بدقة الاتهامات الموجهة إلى دولة الإمارات العربية بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد قبيلة المساليت وبعض المجموعات السكانية في ولاية غرب دارفور.
المسؤولية القانونية:
ويضيف أن المستندات المقدمة للمحكمة تثبت المسؤولية القانونية لدولة الإمارات في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية استنادا إلى الأدلة وشهادة الشهود من واقع تورطها بتقديم الدعم العسكري بالأسلحة والذخائر والطيران المسير عبر مطار أم جرس ونجمينا في دولة تشاد، وفقا لتقارير الأمم المتحدة عبر لجنة الخبراء، ومؤسسات أمريكية وغربية من خلال صور الأقمار الاصطناعية، وتقارير صحفية وإعلامية من مؤسسات موثوقة، وتقديمها الدعم المالي لجلب المرتزقة من عدة دول من بينهم كولومبيون استقدمتهم شركات أمنية إماراتية، فضلا عن وجود أدلة في ميادين القتال بمشاركة مواطنيها، يضاف لذلك الدعم التقني والفني والتدريب لمليشيات الدعم السريع الإرهابية.
جريمة الإبادة:
وقال عثمان لوكالة السودان للأنباء إنه بموجب هذا الدعم غير المحدود فإن المليشيا المتمردة ارتكبت جريمة الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها أكثر من خمسة عشر ألف مواطن سوداني أعزل في مدينة الجنينة وحدها، وتم دفن المواطنين أحياء، بخلاف جرائم الاغتصاب والتعذيب التي ارتكبتها المليشيا في غير مكان وغير مجموعة.
هذا الملف المتماسك الذي قدمه السودان للمحكمة لم تجد دولة الإمارات سبيلا في مواجهته سوى دفعها بالتحفظ على المادة التاسعة من الاتفاقية بشأن الإبادة الجماعية ودفعها بعدم اختصاص المحكمة، أثار هذا الطلب الإماراتي تساؤلات لدى المحكمة عن جدوى انضمام الإمارات للاتفاقية وتحفظها على المادة التاسعة، أو رفع التناقض بين المستندات التي قدمتها للمحكمة بعدم الولاية.
رد المحكمة:
وأشار عثمان إلى أن المحكمة ستنظر لاحقا في الرد الإماراتي على تساؤلاتها وفي ضوئه ستقرر البت بشأن مستقبل السير في الدعوى، ولكن من واقع معطيات جلسة الاستماع الأولى فإن هذه التحفظات لا تسقط مسؤولية دولة الإمارات عن الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي.
وطالب السودان باتخاذ إجراءات عاجلة لإيقاف الدعم الذي تقدمه الإمارات للمليشيا التي تمثل خطرا داهما على المواطنين في أي من المناطق التي اجتاحتها.
غاية السودان:
ونبه بأن غاية ما يرمي إليه السودان من الطلب إيقاف هذا الخطر الذي يتهدد المواطنين ليجنبهم وقوع ضحايا إضافيين، ومن ثم المواصلة في سير تحقيق العدالة ورفع الظلم عن المواطنين سواء عبر محكمة العدل الدولية أو منصات العدالة الأخرى المنوط بها حماية الشعوب من الانتهاكات وصون حقوقهم مثل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها.
وتابع عثمان قائلا: “بالتالي بدأ السودان وسط تأييد كبير من بعض الدول والمنظمات والمناصرين لقضايا الشعوب العادلة خطوات الاقتصاص من مليشيا الدعم السريع ومناصريها وداعميها وشركائها في جرائم الإبادة الجماعية في الجنينة وسيتحقق النصر للشعب السوداني بإذن الله”.
البداية الفعلية للحرب:
ويذكر الخبير الإعلامي دكتور عبد الحليم بابكر محمد سعيد أن بداية الحرب الفعلية كانت إبان ما عرف وقتها بمؤتمر إصلاح المؤسسة العسكرية الذي نظم في قاعة الصداقة بالخرطوم حينها، والأوراق التي قدمتها قادة المليشيا وما حوته من مطالبات وتوصيات أقرب ما يمكن أن توصف بأنها مستحيلة، وأنها كانت تهدف إلى ما وصفه ببتر أيدي وأرجل القوات المسلحة السودانية وجهاز المخابرات العامة. وما تبع ذلك من تهديد ووعيد ظل يطلقه دقلو إخوان، اللذان قال إنهما لم يجرؤا على ذلك لولا السند والدعم الخارجي من الإمارات التي أثبتت تورطها في إشعال الحرب وإذكاء نيرانها من خلال الدعم العسكري واللوجستي وتحشيد المرتزقة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما تسبب ذلك في أعمال الإبادة الجماعية والتهجير العرقي بحسب دكتور عبد الحليم.
ويؤكد في حديثه لوكالة السودان للأنباء أن تورط دولة الإمارات في الحرب التي تدور في السودان أمر مفروغ منه تمامًا ولا يحتاج إلى أدلة وبراهين، خاصة بعد ضبط آليات ومستندات تثبت ذلك الدعم الذي ظلت تقدمه للمليشيا.
موطئ قدم:
وينوه عبد الحليم أن حكومة أبوظبي ظلت تبحث عن موطئ قدم لها بكافة الأساليب والطرق غير المشروعة من خلال إستغلال نفوذها وتغذية الصراعات على مستوى القارة الأفريقية والوطن العربي، طمعًا في مكاسب سياسية ونهب الثروات.
ويشير إلى أن مليشيا الدعم السريع ما كانت لتخوض أو تشعل الحرب ما لم تجد الضمانات الكافية من الإمارات العربية في تقديم كافة أشكال الدعم والمساندة. ويضيف عبد الحليم أن العالم أجمع شاهد على تورط الإمارات بشكل مباشر وغير مباشر، وهو ما ثبتته التقارير الأممية وكذلك بعض الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، فضلاً عن المنظمات الحقوقية والإنسانية.