المندرة نيوز

المنتقم… من أسماء الله الحسنى

الخرطوم=^المندرة نيوز^

من أسماء الله الحسنى التي ينبغي أن نتدبرها ونفهم معناها ونتعرف على آثارها في حياتنا اسم الله “المنتقم”، والمنتقم هو الذي يقصم ظهور الطغاة، ويشدد العقوبة على العصاة، وذلك بعد الإنذار والإمهال، والله يغضب في حق خلقه بما لا يغضب في حق نفسه، فينتقم لعباده بما لا ينتقم لنفسه، وإنه إن عرفت أنه كريم رحيم فاعرف أنه منتقم شديد عظيم. واسم الله “المنتقم” لا يطلق على الله إلا مضافًا أو مقيدًا، قال تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [المائدة: 95]، قال العلامة حافظ الحكمي في “معارج القبول” (1/ 147): “واعلم أن من أسماء الله عز وجل ما لا يطلق عليه إلا مقترنًا بمقابله، فإذا أطلق وحده؛ أوهم نقصًا – تعالى الله عن ذلك-، ومن ذلك “المنتقم”؛ لم يأتِ في القرآن إلا مضافًا إلى “ذو”؛ كقوله: ﴿ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ [آل عمران: 4]، أو مقيدًا بالمجرمين؛ كقوله: ﴿ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ﴾ [السجدة: 22]، والمنتقم هو الذي يعاقب من يشاء، أما الإنسان فلا يستطيع أن يعاقب من يشاء؛ إذ لا يعاقب إلا من هو دونه، ولا يستطيع أن يعاقب نِدًّا أو مساويًا له، وأما أن يعاقب من هو أعلى منه فهذا مستحيل، لكن الله سبحانه وتعالى ينتقم ممن يشاء؛ أي: يعاقب من يشاء، فإذا كنت مع القوي فأنت قوي، مهما يكن عدوك كبيرًا، أو قويًّا أو جبارًا، أو طاغيًا، أو متطاولًا، فالله جل جلاله ينتقم منه ويوقفه عند حده، ويحجزه عن أن يؤذي خلق الله عز وجل، وبهذا المعنى نفهم الانتقام.

معاشر المؤمنين، كثير من الناس يظن أن انتقام الله من الظلمة والطغاة والعصاة لا بُدَّ أن يكون سريعًا بعد ظلمهم مباشرةً، ويمكث يرقب نزول انتقام الله عز وجل العاجل على الظالم، فإذا ما تأخَّرت العقوبة، ولم يرَ بعينه مصارع الظالمين شكَّ ويأس وقنط، وهذا خطأ كله، وعدم فهم لتعامل الله عز وجل مع الظالمين. فالظالم يمر بأربع مراحل- قبل أن يحق عليه القول- لا بد من فهمها جيدًا:

المرحلة الأولى: الإمهال والإملاء، ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [القلم: 45]، وفيها يمهل الله الظالم لعله يتوب أو يرجع عما فعل؛ فالله سبحانه لا يعاجل بالعقوبة والانتقام.

المرحلة الثانية: الاستدراج: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 44]، وليس معناه أن تضيق الدنيا عليه، لا، بل تفتح عليه الدنيا وترتفع الدرجة، وتبسط عليه اللذات، ويعطيه الله ما يطلب ويرجو، بل وفوق ما طلب؛ لأن الدرج يدل على الارتفاع، والدرك يدل على النزول.

المرحلة الثالثة: التزيين: ﴿ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [النمل: 24]، وفيها يموت قلب الظالم فيرى ما يراه حسنًا بل هو الواجب فعله. لم يعد في قلبه حياة ليلومه على ما يفعل.

المرحلة الرابعة: الأخذ والانتقام: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى ﴾ [هود: 102]، وفيها تتنزل العقوبة من الله تعالى على الظالم، وتكون العقوبة شديدة جدًّا بحيث تكون عبرة وعظة للعالمين. وهي قد تكون في الدنيا؛ ليرتدع بها الناس، وينزجر بها من تسول له نفسه سلوك نفس الطريق، وقد يؤخرها الله عز وجل ليوم القيامة؛ حيث العقوبة أشد، والفضيحة أخزى، هذا فرعون كان يملك كل شيء؛ مالًا وجاهًا ومنصبًا وجيوشًا وأتباعًا، وادَّعى لنفسه الألوهية والربوبية وتكبَّر وتجبَّر سنوات وسنوات هو وجنوده، ثم جاء أمر الله، قال تعالى: ﴿ فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾ [الأعراف: 136]، والتاريخ حافل بتساقط الظالمين وخذلان الله لهم، وانتقامه منهم بعد أن بلغوا غاية القوة والتسلط والجبروت؛ بلغ الفساد والظلم بالبرامكة- وكانوا ولاة في الدولة العباسية ووزراءها- مبلغًا عظيمًا، إلى جانب الإسراف والتبذير، حتى قاموا بطلاء قصورهم بماء الذهب، فإذا أشرقت الشمس في الصباح انتشر الضوء الوهاج في أرجاء المدينة، حتى جاء الخليفة هارون الرشيد وقضى عليهم، ووضع لهم حدًّا، وألقى بهم في السجون، فقال ابن ليحيى البرمكى وزير هارون الرشيد وهم في السجن والقيود في أيديهم وأرجلهم: يا أبتاه، بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال! فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت في جوف الليل غفلنا عنها ولم يغفل عنها الله، وصدق الله إذ يقول: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ ﴾ [إبراهيم: 42- 43].

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب