الخرطوم=^المندرة نيوز^
أكد الباحث الاقتصادي الدكتور محمد الناير أن الأزمة الاقتصادية في السودان تُعزى إلى اختلالات هيكلية عميقة في النظام النقدي والمصرفي، أبرزها أن نحو 90% من الكتلة النقدية كانت خارج الجهاز المصرفي، الأمر الذي أعاق قدرة البنوك على إدارة السيولة وتنفيذ سياسات نقدية فعالة. وأوضح أن السوق السوداء للعملات، أو ما يعرف بالسوق الموازية، نشأت تاريخيًا نتيجة ثغرات في سياسات سعر الصرف وتذبذب أدوات الضبط المالي.
وأشار الناير في تصريحات لجريدة اندبندنت عربية إلى أن فترة تصدير النفط شهدت انحسارًا كبيرًا في السوق السوداء نتيجة تقارب الأسعار بين السوقين الرسمية والموازية، مما أدى إلى اختفاء تجارة العملة غير النظامية بشكل ملحوظ. لكنه أضاف أن السوق الموازية اليوم باتت أكثر تنظيمًا، وترتبط بمسارات لتحويل الأموال من الخارج، مشيرًا إلى أن تداول العملة محليًا لم يعد المحرك الرئيسي لهذه السوق كما كان في السابق.
ولفت إلى أن السودان، قبيل اندلاع الحرب، كان يمتلك شبكة من شركات الصرافة المعتمدة التي تعمل تحت إشراف البنك المركزي، وتؤدي دورًا مكملًا للمصارف الرسمية في نشاط بيع وشراء العملات، وفق أنظمة واضحة ورقابة مشددة. إلا أن الظروف الأمنية التي عصفت بولاية الخرطوم بعد اندلاع الحرب أدّت إلى توقف نشاط عدد كبير من هذه الشركات، بينما يواصل بعضها العمل خارج العاصمة بوتيرة محدودة.
وفي ما يتعلق بقطاع التعدين، أكد الناير أن هيمنة التعدين التقليدي على إنتاج الذهب خلقت فجوة رقابية ومالية واسعة، إذ بات المواطنون يسيطرون على نحو 80% من إنتاج الذهب، مما يجعل من الصعب على الدولة ضبط السوق أو تحصيل العائدات الفعلية، على الرغم من أن القانون ينص على أن الموارد الطبيعية ملك للدولة.
ودعا الحكومة السودانية إلى إعادة تقييم سياسة تصدير الذهب كخيار وحيد لجلب العملات الأجنبية، واقترح أن يتم الاحتفاظ بنسبة من الإنتاج كاحتياطي استراتيجي في البنك المركزي لدعم استقرار سعر الصرف، مشيرًا إلى إمكانية تصدير 80% والاحتفاظ بـ20% بشكل مرحلي.
وفي تقييمه لمتانة الاقتصاد السوداني، قال الناير إن البلاد لا تزال تحتفظ بمقومات استثنائية تؤهلها للتعافي، بما في ذلك أكثر من 90 مليون هكتار من الأراضي الزراعية، لا يُستغل منها سوى 20%، و120 مليون رأس من الماشية، فضلًا عن تنوع مصادر المياه من أمطار ومخزون جوفي. وأضاف أن السودان يتمتع بإنتاج محاصيل استراتيجية مثل الصمغ العربي، إلى جانب موقع جغرافي مميز يشرف على 750 كيلومترًا من ساحل البحر الأحمر، ما يشكّل نقطة ارتكاز اقتصادية بالغة الأهمية.
ورغم التحذيرات الدولية من خطر المجاعة جراء الحرب، أشار الناير إلى أن السودان لم يشهد انهيارًا فعليًا، مؤكدًا أن إمكانات الدولة تسمح بإعادة الهيكلة وتحقيق معدلات نمو جيدة حال توفرت الإدارة السليمة والإرادة السياسية اللازمة.