المندرة نيوز

الذاكرة السودانية تحت النار: حين تتحول المتاحف والمكتبات إلى جبهة حرب.. بقلم د. عبدالعزيز الزبير باشا

الخرطوم=^المندرة نيوز^
منذ أبريل *2023* لم تكتفِ ميليشيا الدعم السريع بارتكاب الفظائع ضد المدنيين في الخرطوم ودارفور وسائر أقاليم السودان، بل تجاوزت ذلك إلى ساحةٍ أشدّ خطورة: الذاكرة الوطنية. فقد اقتحمت هذه الميليشيا المتحف القومي في الخرطوم، ونهبت محتوياته وكسرَت خزائنه ومخازنه، وسرقت آلاف القطع الأثرية التي تعود إلى ممالك كوش ونبتة ومروي، وصولاً إلى الحقبة المسيحية والإسلامية.

لم يتوقف الأمر عند المتحف القومي؛ مكتبة مركز محمد عمر بشير في جامعة أم درمان الأهلية أُحرقت بالكامل بما تحويه من مخطوطات نادرة، والمتحف الإثنوغرافي وبيت الخليفة ومتاحف دارفور تعرّضت جميعها لأضرار ونهب. حتى المكتبات الجامعية والمحفوظات الرسمية لم تسلم من التدمير. إنّه مشروع لمحو الذاكرة قبل محو العمران…

ماذا يستهدفون المتاحف و المكتبات؟

الجواب مركّب:
• *لمال السريع: القطع الأثرية السودانية أصبحت سلعة في السوق السوداء الدولية، تُهرَّب عبر الحدود وتُحوَّل إلى ذخيرة ورواتب للمقاتلين…
• إرباك السجلات: بإحراق المكتبات والأرشيفات، تُطمَس الأدلة وتُعطَّل قدرة القضاء والمجتمع على الملاحقة والمحاسبة…
• الهندسة الثقافية: عندما تُمحى رموز التاريخ، يصبح المجتمع أكثر قابلية لإعادة الصياغة على مقاس المنتصر المؤقت.
• كسر الروح المعنوية: فمشهد متحف قومي منهوب يبعث برسالة إذلال مدروسة: “ *لا دولة لكم”…

جريمة حرب وليست خسارة عرضية
استهداف الممتلكات الثقافية خارج الضرورات العسكرية يرقى إلى جريمة حرب بموجب اتفاقية لاهاي *1954*..
كما أن نهب وتهريب القطع الأثرية عبر شبكات منظمة يضعها في خانة الجريمة العابرة للحدود المرتبطة بتمويل الإرهاب وغسل الأموال. إن السكوت عن هذه الجرائم لا يعني فقط التفريط في تراث إنساني عالمي، بل يعني ترك شريان تمويل مفتوح لآلة الحرب…

الرسالة إلى المجتمع الدولي
على المجتمع الدولي أن يسمّي الأشياء بمسمياتها: ميليشيا الدعم السريع هي المسؤولة المباشرة عن هذه الجرائم. لا بد من إدراج مسارات تهريب الآثار السودانية ضمن قوائم العقوبات الدولية، وإلزام دور المزادات والمعارض الفنية بالتدقيق الصارم في مصدر المعروضات. كما يجب إطلاق صندوق دولي لإعادة إعمار المتاحف والمكتبات السودانية، لأن إعادة تشغيل الذاكرة شرط لإعادة بناء المجتمع…

خاتمة
في الحروب التقليدية تُستهدف الجسور ومحطات الكهرباء. أما في حروب تفكيك الدول، فيُستهدف ما هو أخطر: المتاحف والمكتبات ودور الأرشيف. فالجسر يُعاد بناؤه خلال سنوات، لكن الذاكرة إذا ضاعت قد لا تُستعاد أبداً. إن من ينقذ الذاكرة السودانية اليوم، إنما ينقذ السودان مرتين: مرةً من النسيان، ومرةً من إعادة الكتابة على يد السلاح…
وطن و مؤسسات….
السودان أولا و أخيراً..
د. عبدالعزيز الزبير باشا
5 18/8/202

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *