المندرة نيوز

وجه الحقيقة_ إبراهيم شقلاوي يكتب.. القمة الأممية: من التعهدات إلى الشراكة الدولية

الخرطوم=^المندرة نيوز^
يتجه الاسبوع القادم الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش، إلى نيويورك للمشاركة في الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، في زيارة تختلف شكلاً ومضمونًا عن سابقاتها، وتؤسس لمرحلة جديدة في العلاقة بين السودان والمجتمع الدولي.

إذا كانت زيارة العام الماضي جاءت لتثبيت شرعية الدولة في ظل محاولات التشكيك من قبل المليشيا المتمردة وداعميها، ووسط مواقف رمادية من أطراف إقليمية ودولية، وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي، فإن زيارة هذا العام تأتي من موقع مختلف تمامًا: موقع المنتصر سياسيًا وعسكريًا، والذي نجح في إجهاض أخطر مؤامرة لتفكيك الدولة السودانية.

البرهان يذهب الي الأمم المتحدة هذه المرة ليس بحثا عن “شرعية”، لأنه عززها ميدانيًا من خلال الانتصار على المليشيا وداعميها، وسياسيًا عبر تمسكه بمسار وطني واضح، وشعبيًا من خلال عودة الحياة والخدمات والأمن إلى الولايات المحررة، وعلى رأسها الخرطوم العاصمة، حيث تقف القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري ومصفاة النفط شهود على تماسك الدولة، واستعادة سيادتها.

في هذه الزيارة، يعود البرهان إلى منبر الأمم المتحدة ليفي بالتعهدات التي قطعها أمام المجتمع الدولي في سبتمبر 2024، حين قدّم خارطة طريق واضحة للخروج من الأزمة، تضمنت تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تعديل الوثيقة الدستورية، وحوار سوداني شامل، يُفضي إلى انتخابات تشريعية حرة ونزيهة. واليوم تأتي زيارته وقد أنجزت تلك الخطوات بالفعل، وفي مقدمتها تكليف الدكتور كامل إدريس رئيسًا للحكومة، وإطلاق أول اجتماعاتها الأسبوع الماضي.

كما تم إقرار التعديل على الوثيقة الدستورية لعام 2025، لتشكل الإطار الحاكم للفترة الانتقالية الجديدة، الممتدة لثلاث سنوات، وهي خطوة تُعزز الشرعية القانونية والسياسية للسلطة القائمة، وتؤسس لمرحلة انتقال حقيقي مبني على الإرادة الوطنية، لا الإملاءات الخارجية.

ما يميز هذه الزيارة أيضاً هو تركيبتها النوعية، حيث يرافق البرهان شخصيات رفيعة تعكس بوضوح تغير المقاربة السودانية في التعامل مع العالم، الدكتور كامل إدريس، الشخصية ذات الثقل في الأوساط الدولية، والمعروف بعلاقاته الواسعة وخبراته الطويلة داخل أروقة الأمم المتحدة.

من المتوقع أن يقود نقاشات ثنائية مع قادة الحكومات والمنظمات الدولية، مستندًا إلى شرعية دستورية وشعبية، ورؤية سياسية تنبثق من امل اعادة البناء و الحوار الوطني. وتُعد مشاركة رئيس البلاد ورئيس الحكومة ضمن وفد واحد سابقة لافتة، تعكس تماسك الدولة وانسجام مؤسساتها ووحدة موقفها، إلى جانب وزير الخارجية ومدير جهاز المخابرات وربما النائب العام.

ولعل أهم ما يميز هذه الزيارة هو التحول في طبيعة الخطاب السوداني: من خطاب دفاعي يستنكر التمرد، إلى خطاب هجومي يُطالب بتصنيف المليشيا المتمردة كجماعة إرهابية، ويحمّل داعميها المحلين والإقليميين مسؤولية ما جرى من إنتهاكات، وتهجير وتدمير لمؤسسات الدولة.

فالخرطوم ترى بوضوح أن التهاون الدولي في توصيف ما حدث قد شجع على اطالة أمد الحرب، وأضعف الاستجابة للقرارات الدولية مثل القرار رقم 2736 الصادر من مجلس الأمن ، الذي طالب الدعم السريع بوقف حصار الفاشر، وسحب المقاتلين الذين يهددون سلامة وأمن المدنيين.

الرسالة السودانية هذا العام أكثر وضوحًا: السودان لا يقبل المساومة على وحدته، ولا يقبل فرض واقع جديد خارج المؤسسات الشرعية. ولا يمكن الحديث عن سلام ، دون مساءلة المتورطين في تمويل وتوجيه ودعم آلة الحرب ضد السودانيين.

لا يمكن فهم الأزمة السودانية بمعزل عن أبعادها الإقليمية والدولية؛ فموقع السودان الاستراتيجي على البحر الأحمر يجعله محورًا للأمن البحري ومسرحًا لتقاطع مصالح قوى إقليمية ودولية. واستمرار النزاع و إضعاف البلد يفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة لملء الفراغ الأمني، مما يهدد استقرار المنطقة بأسرها.

وفي موازاة ذلك، يُفاقم الوضع الإنساني وأزمة النزوح واللجوء من خطر تحوّل السودان إلى مصدر رئيسي للهجرة غير النظامية نحو أوروبا، مما يستدعي استجابة أمنية وسياسية مشتركة، تربط استقرار إفريقيا بأمن السودان و دول المتوسط.

لذا على المجتمع الدولي إعادة صياغة موقفه من الأزمة، عبر التمييز الواضح بين الدولة ومناهضيها، وبين من يسعى لإعادة بناء السودان ومن يوظف أزمته لصالح أجندات أجنبية . فالحلول الوسط بين الدولة والمليشيا لا تصنع سلامًا، بل تُعيد إنتاج الحرب.

ويؤكد السودان، من خلال إرادته الوطنية ومسار التحول المدني بقيادة د. كامل إدريس، أن الانتقال السياسي و السلام لا يتحقق إلا باستعادة السيادة وتفكيك المليشيا.

هذا وبحسب #وجه_الحقيقة فإن زيارة الإيفاء بالتعهدات وتعزيز الشراكة الدولية هي تعبير عن مشروع دولة يريد أن يستعيد مكانته بين الدول، ويحجز موقعه ضمن خارطة التوازنات الإقليمية والدولية، من موقع الفاعل لا الضحية. وهي دعوة موجهة للعالم بأسره، مفادها أن السودان لا يطلب الإحسان، بل يسعى إلى شراكة عادلة، تحفظ أمنه واستقراره، وتُعزّز الأمن الجماعي في البحر الأحمر وإفريقيا والعالم.
دمتم بخير وعافية.
الخميس 11 سبتمبر 2025م

قم بمشاركة الخبر علي
قم بمشاركة الخبر علي
تابعنا علي قناتنا في الواتساب

إقرا ايضاً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *